تحليل: عندما يسقط الحديد وتسقط معه هيبة نظام الجنرالات... مأساة 5 جويلية تكشف عار الجزائر الرسمية

تحولت لحظة تتويج نادي مولودية الجزائر بلقب الدوري المحلي إلى مشهد دموي يلخص حجم الفشل البنيوي الذي يعانيه النظام الجزائري العسكري في أبسط مسؤولياته تجاه المواطنين. فبينما كانت الجماهير تحتفل بفرحة طال انتظارها، انهار جزء من السياج الحديدي لمدرجات ملعب 5 جويلية، ليسقط عدد من المشجعين بشكل مروع، وسط فوضى عارمة وكأننا في منطقة منكوبة لا في دولة تدعي التنظيم والسيادة.

مشاهد مأساوية وفشل نظام العسكر

الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل تُظهر مشاهد مأساوية لضحايا سقطوا تباعًا من المدرجات، ومصابين يُنقلون في ظروف عشوائية غابت عنها أدنى شروط السلامة والتأهب. هذه ليست مجرد حادثة عرضية، بل هي انعكاس مباشر لعقلية الإهمال والارتجال التي تسود كل مفاصل الدولة الجزائرية، من الملاعب إلى المستشفيات، مرورًا بالمؤسسات الرسمية التي يتغذى على فسادها الجنرالات.

من يتحمل المسؤولية؟ إدارة الملعب؟ وزارة الشباب والرياضة؟ أم الاتحادية الجزائرية لكرة القدم التي تعاني بدورها من التسيير العشوائي؟ في الحقيقة، المسؤول الحقيقي هو هذا النظام العسكري الذي يحتكر السلطة والثروات، بينما يترك الملاعب تنهار على رؤوس الأبرياء، ويكتفي بإصدار بلاغات الإنكار والتبرير.

أنقاض ماضٍ بائد

ملعب 5 جويلية، الذي يُفترض أنه معلمة رياضية وطنية، يعيش على أنقاض ماضٍ بائد، يعاني من التصدع والتهميش، شأنه شأن بقية البنى التحتية في الجزائر، التي تُترك للإهمال ما لم تخدم دعايات السلطة أو تلميع صورة الجنرالات.

الشارع الجزائري، الذي لم يعد يثق في لجان التحقيق ولا في بلاغات الوزارات، يطالب بمحاسبة جادة وحقيقية، لا بإلقاء اللوم على موظف صغير أو تحميل المسؤولية لحارس بوابة. أرواح الأبرياء ليست هامش خطأ، وسقوطهم في لحظة فرح دليل على أن الجزائر الرسمية فقدت كل مؤهلات الدولة الراعية للمواطن.

إن ما وقع في ملعب 5 جويلية ليس حادثًا عرضيًا، بل علامة صارخة على الانهيار العام الذي تعيشه الجزائر تحت سلطة نظام عسكري فاشل يتوهم القوة، بينما يعجز عن حماية شعبه حتى من قضبان حديدية صدئة.

من مهرجان احتفالي إلى مأساة دامية

وحسب مراقبين، فإن هذا الحادث المؤلم في ملعب 5 جويلية، الذي تحول من مهرجان احتفالي إلى مأساة دامية، يعكس بوضوح أبعاد الأزمة البنيوية العميقة التي تعصف بالنظام العسكري الجزائري، والذي باتت هشاشته واضحة في أبسط تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. ليس مجرد انهيار سياج حديدي، بل هو انهيار كامل لمسؤولية الدولة تجاه شعبها، وانكشاف لوجه السلطة الحقيقية التي تتخفى خلف شعارات القوة والهيبة.

النظام الجزائري الذي يحتكر السلطة والثروة منذ عقود، استثمر في تعزيز صورته الإعلامية فقط، بينما تهاوت البنى التحتية الحيوية والقطاعات الأساسية، ومنها الرياضة والسلامة العامة. فكيف يعقل أن تسقط أسوار ملعب وطني، في بلد يدعي أنه قوة إقليمية، وأن المؤسسات المسؤولة عاجزة عن ضمان أبسط معايير السلامة؟ هذا السؤال ليس مجرد استفهام شكلي، بل هو اتهام مباشر لمن يعتقدون أن السيطرة على الرتب العسكرية والاقتصادية تعني القدرة على إدارة دولة.

الفساد المستشري في دوائر الحكم

الفساد المستشري في دوائر الحكم، والإهمال المقصود، والتستر على الإخفاقات، كلها عوامل جعلت من الملاعب ومراكز الترفيه، مسارح لانتكاسات مأساوية تؤكد عجز النظام عن حماية شعبه حتى في لحظات الفرح والاحتفال. تنظيم ضعيف، تخطيط غائب، تعاطي ارتجالي مع الأزمات، كل ذلك دليل على هشاشة مؤسسات الدولة التي تدار بيد عسكرية ترفض الإصلاح والتجديد.

الجنرالات في قصر المرادية يمارسون سياسة الإنكار والتبرير، متجاهلين أن دماء الأبرياء لا تُمحى ببلاغات رسمية ولا بتقارير تحقيق شكلية. الشعب الجزائري لم يعد يثق في أقنعة النظام الممسوكة بالحديد والنار، ويريد محاسبة فعلية لمن تسبب في هذه الكارثة، وليس مجرد كبش فداء أو ضحية عابرة.

في النهاية، سقوط السياج الحديدي هو سقوط رمزي للنظام الجزائري الذي يتوهم قوته العسكرية، بينما يكشف هذا الحادث عن عجز قاتل في إدارة دولة، عن حماية مواطنيها، وعن احترام أبسط حقوق الإنسان. إن هذا الانهيار ليس سوى فاصل جديد في سجل مأساوي لنظام لا يفهم معنى الدولة سوى من خلال قبضته الحديدية التي تهشمت اليوم أمام عين كل الجزائريين.