استراتيجية اخنوش التواصلية: بين التسويق للمشروعية الإنجازية وترسيخ التواصل المؤسساتي الناعم

شكلت التجربة السياسية لعزيز اخنوش، منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة، محطة فارقة في تعاطي الفاعل السياسي مع تكنولوجيا الإعلام والاتصال. فقد أدرك باكرا أن معركة التأثير السياسي لم تعد تخاض فقط في قبة البرلمان أو عبر المنصات الحزبية التقليدية، بل باتت ساحتها الحقيقية في المجال الرقمي، حيث يتشكل الرأي العام وتبنى التمثلات الجماعية. وبذلك، استطاع أخنوش أن يوظف أدوات الإعلام الحديث توظيفا استثنائيا، ليس فقط لتسويق برنامجه الحكومي، بل أيضا لإعادة تشكيل التوازنات السياسية والإيديولوجية بعد مرحلة هيمنة الإسلاميين.

منذ تعيينه رئيسا للحكومة، حرص اخنوش على تحويل كل خرجة إعلامية أو مبادرة رسمية إلى لحظة تواصلية محكومة بدقة تقنية وذكاء استراتيجي.

لم يعد التواصل الحكومي يقتصر على نشر البيانات والتصريحات، بل أضحى جزءا من منظومة دعائية شاملة، يسعى إلى ترسيخ صورة إيجابية حول "البديل الليبرالي" وفعاليته في إنجاز الأوراش الكبرى وتحقيق المردودية الاقتصادية. هذا التوجه لم يكن عفويا، بل ثمرة لاستثمار منظم في فرق رقمية متخصصة في التواصل الاستراتيجي، تعتمد على أحدث ما أفرزته تكنولوجيا تحليل البيانات والخوارزميات، لرصد ميولات الجمهور وتوجيه الرسائل السياسية بدقة وفعالية.

لقد تبنى اخنوش، بشكل غير مسبوق في التجربة الحزبية، منطق التسويق السياسي الرقمي، وهو ما مكنه من رسم صورة اتصالية لحكومته التي وصفها ب"حكومة الكفاءات"، قادرة على تجاوز منطق الخطابة الإيديولوجية، والانكباب على الحلول العملية. هذا التحول الاتصالي ساهم في خلق رؤية جديدة، تقدم حكومته بكونها مشروعا تحديثيا منفتحا على الاقتصاد العالمي، ومتحررا من ثقل الشعارات التقليدية.

ولم يتوقف هذا التوظيف عند ترويج الأداء الحكومي فحسب، بل امتد إلى بناء شبكة إعلامية واسعة النطاق، تضم مواقع إخبارية ومحللين وإعلاميين، تواكب خطواته وتدافع عن اختياراته، وتهاجم خصومه عند الحاجة. هذه "القوة الناعمة الإعلامية" أصبحت فاعلا موازيا للسلطة التنفيذية، تشتغل على تحصين المشروع السياسي لأخنوش، وتؤمن له مناعة ضد النقد، بل وتحجم من قدرة المعارضة على اختراق الرأي العام أو فرض افكارها وخياراتها.

وإدراكا لأهمية الصورة السياسية في زمن الشبكات، أبدى أخنوش حرصا كبيرا على ضبط ظهوره الإعلامي. فمداخلاته في البرلمان أو خرجاته الرسمية لم تعد مجرد لحظات مؤسساتية، بل تحولت إلى عروض تواصلية تصاغ بعناية لتوجيه رسائل سياسية مركبة. وقد مثل شعار "حكومة المونديال"، الذي تزامن مع استعداد المغرب لتنظيم فعاليات كأس العالم 2030، نموذجا لهذا التوظيف الرمزي الذكي، حيث جرى ربط صورة الحكومة بانفعالات وطنية إيجابية، واستثمار لحظة الإجماع الرياضي في تقوية شرعية الحكومة وربطها بالشعور الوطني العام.

في سياق هذا البناء الاتصالي، يستعد اخنوش مبكرا للانتخابات التشريعية لسنة 2026. فالملاحظ أن حزب التجمع الوطني للأحرار يشتغل على جبهتين متوازيتين: الأولى تنفيذ البرنامج الحكومي بما يخدم المشروعية الإنجازية؛ والثانية تأطير المشهد الإعلامي والتواصلي عبر دعاية انتخابية ناعمة، تشتغل وفق منطق "الحضور المستدام"، وتضع المعارضة في موقع المتلقي ورد الفعل.

هذا التكامل بين الأداء التنفيذي والتسويق السياسي يضع حزب الأحرار في موقع الصدارة داخل المشهد الحزبي

ولعل ما يلفت الانتباه في هذا المسار السياسي الاتصالي لعزيز أخنوش، هو قدرته البارزة على دمج الاقتصادي بالإعلامي، وتوظيف الرأسمال الرمزي والمادي بشكل متكامل في بناء شرعية متعددة الأبعاد: شرعية تنفيذية تستند إلى موقعه في قيادة الحكومة؛ وشرعية تواصلية ترتكز على التحكم الدقيق في أدوات الخطاب والصورة؛ وشرعية انتخابية تستثمر هذا الزخم الإعلامي لخلق قاعدة شعبية متماسكة وموجهة.

إنها مرحلة تعيد تعريف العلاقة بين الإعلام والسياسة في ظل هيمنة الأدوات الرقمية، وتفرض إعادة التفكير في شروط التنافس الديمقراطي، حيث لم تعد البرامج والمواقف وحدها هي المحدد، بل باتت تقنيات التأثير وصناعة الصورة جزءا لا يتجزأ من معادلة السلطة.

وتعد هذه الآلية إحدى الركائز التي أدرك عزيز أخنوش مبكرا أهميتها الاستراتيجية في المشهد السياسي المعاصر، فسارع إلى توظيفها بشكل منهجي ومدروس، مما مكنه من تحقيق تفوق ملحوظ على خصومه ومنافسيه السياسيين

لقد شكل استباقه للتحولات الرقمية في مجال التواصل السياسي نقطة قوة حاسمة، مكنته من تعزيز حضوره في الفضاء العمومي، وبناء رؤية سياسية فعالة تتماهى مع تحولات الرأي العام، وتستثمر في الزمن الإعلامي لحصد الشرعية وتوسيع قاعدة التأثير.

د مصطفى عنترة، كاتب صحفي.