صبري لحو يكتب : طوفان التعيينات في المناصب العليا بين معايير الكفاءات ومعايير المحسوبية

إن تقييم أداء الحكومة ينبغي أن يتم عبر مؤشرات واضحة وفي قضايا كبرى، على غرار التساؤل عما قدمته الحكومة من أجل تخفيض حجم الدين الخارجي؟ أو من أجل رفع معدل النمو؟ أو امتصاص البطالة؟ أو رفع مؤشرات التنمية البشرية وفقا لبرنامج ومعايير الأمم المتحدة؟ أو لتحقيق درجة عالية في معايير قياس نسب السعادة للمغاربة؟ هذه هي الأسئلة الكبرى الكفيلة بتقييم أداء الحكومة.

إلا أنني أود في هذه المقالة إثارة عيب كبير جدا مفاده أننا أمام حكومة همها الوحيد وشغلها الشاغل هو تعيين الأطر الموالية لها والمحسوبة عليها في جميع مفاصل ومراكز القرار في الإدارة والوظيفة في إطار ما نسميه بـ” أحررة الإدارة ” التي تتخذ من قبل الأغلبيات وسيلة لتعبيد الطريق أمام الكفاءات “المحظوظين” من الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي لنيل نصيبها من المناصب “الحظوة”. فلا يكاد يمر مجلس حكومي، منذ تعيينها إلى الآن، دون أن يتضمن جدول أعماله نقطة التعيين في مناصب عليا وسامية.
وأعتبر أن هذه الكثافة في التعيين خلقت انطباعا لدى المتتبعين وعموم المهتمين بالمشهد السياسي أساسه وكأن الدعوة الى انعقاد مجالس الحكومة لا يهتم إلا بالتعيين أكثر من الحاجة الى التداول في أمور تهم المصلحة العامة للوطن والمواطنين خاصة في كنف قضايا وطنية حارقة كما يحصل بالجنوب الشرقي حيث نضوب الموارد المائية دون أن تحرك السلطة التنفيذية طرفا.
والإحصائيات بعدد التعيينات حتى الآن تفوق مجمل ما تداولت بشأنه الحكومة من مواضيع وقضايا تهم الشأن العام الوطني بما يعري حقيقة التوجه البرغماتي النفعي للأحزاب الثلاثة الذي لا يقوم أمام المصلحة العامة لحكومة تفكر فقط في نفسها على نقيض إهمال أسئلة الوطن الحارقة. الذي يدعو للتساؤل عن السر الذي يتحكم في مجموع تلك التعيينات!! وعن المعايير!! وعن الكفاءة والجودة!! والمساواة وتكافؤ الفرص!! وكلها تساؤلات لا شك كفيلة بإماطة اللثام عن زيف خطابات الدولة الاجتماعية التي تتغنى بها الحكومة؟ وبناء عليه وعلى ما سلف نتساءل:
* هل التعيينات التي تقدم عليها الحكومة باستمرار ضرورية فعلا من أجل جودة وتطوير المرفق العام؟ أم فقط لتمكين الأهل الحزبي والعشيرة السياسية من موطيء قدم في المربع الذهبي للماكنة البيروقراطية؟!
* هل كل المناصب مثار التعيينات كانت شاغرة؟ وبالتالي يقتضي الحال والمصلحة العامة ملء هذا الفراغ؟!
* هل اقتضت المصلحة العامة فعلا احداث تعيينات بالكثافة الحاصلة من أجل تجديد أداء الإدارة؟ أم هل هذا الكم الهائل أحيل للتقاعد صدفة؟ أم ترى ارتُكبت أخطاء جسيمة دون علم الرأي العام؟ أو هي ثبوت حالات عدم الأهلية؟ أم تم احداث مناصب جديدة؟
ويبدو لنا دون الخوض في المبررات كيفما كانت أن طابع التعيينات سياسي أكثر منه ذو هدف استراتيجي يروم ضخ كفاءات جديدة في شرايين الادارة البيروقراطية المغربية لصالح المواطنين . ونذكر بالعبارة الرائجة التي يمتطيها عادة المسؤولين والرؤساء للانتقام من المرؤوسين قصد تعبيد السبل أمام من ينتظره المنصب الجديد من المناضلين والكفاءات:
أن “المصلحة العامة اقتضت” ازاحة آخرين !او تنقيلهم ! رغما عنهم ودون طلب منهم ضمن مخططات الدهاء السياسي الذي يجعل الإدارة والوظيفة والدواوين وغيرها مدخلات بنيوية لتمكين العشيرة السياسية من المزايا والمنافع كجزاء على حساب الاستحقاق والكفاءة.
وهي حتما لعبة محبوكة بدقة وبكثير من المكر الحزبي في قوالب تقسيم الكعكة لصالح الأقرباء والأوفياء من المريدين وفق ثنائية الشيخ والمريد وفق ما ذهب إلى ذلك الباحث الأنتروبولوجي عبد الله حمودي.
والأكيد ختاما أن الفرحة العارمة التي تغمر الحكومة في قرارات التعجيل والتسابق لإحداث مناصب ” لمناضليها”، عفوا للمريدين، تحت سقف استدماج الكفاءاتها لتنفيذ برنامجها تختبأ في الواقع كثير من قصص مطروزة بمداد المحاباة وتبادل المنافع ملؤها ألم ومأساة وشطط وظلم لا معنى له عند أطراف أخرى وفق ” فوائد قوم عند قوم مصائب ” .
وهو نقاش يحتاج تعميقا عبر طرح السؤال حول المناصب ذات طبيعة سياسية والضرورية للحكومة في تنفيذ سياستها حتى تعم الشفافية والأمن والاستقرار للموظفين ولعموم المجتمع في إطار احترام قانون الوظيفة العمومية وعدم انتهاك حرمة الحكامة الجيدة في التعاطي مع التعيينات في المناصب السامية. وفي إطار إتاحة الفرصة للحكومة لتنفيذ قراراتها واستراتيجيتها دون عرقلة من أحد، ذلك أن الحق مؤطر دستوريا للحكومة من أجل تيسير تنفيذ برنامجها لكن دون أن يتحول ذلك الحق نفسه إلى ظلم وجور وحيف وشطط وريع وفساد إذا كان تم دون مراعاة شروط الكفاءة الاستقامة وتكافؤ الفرص كمبادئ دستورية تؤطر الحق والمسؤولية.

*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي
الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي: درعة/ تافيلالت