قانون ”الهجرة”الجديد يضع فرنسا أمام اختبار دستوري عسير ويكشف عن وجهها الجديد القبيح

بعدما أثاره قانون الهجرة الفرنسي من جدل، فقد تم اليوم المصادق عليه نهائيا في البرلمان الفرنسي، ما من شأنه أن يشكل انتصارا لليمين المتطرف، رغم العواقب الإنسانية والسياسية الخطيرة التي ستنتج عليه؛ كما أنه سينهي مع شعار الدولة الفرنسية الأصيل “الحرية” و”العدالة” و”الأخوة”.

ف”الأخوة”” fraternité ” ركن ثابت من ثوابت القيم الفرنسي، رغم أن اليمين المتطرف، أراد الالتفاف عليه كمبدأ ثابت منذ الثورة الفرنسية وكمرجع لكونية حقوق الإنسان، باعتبار أن الأخوة تهم فقط العرق الفرنسي؛ إلا أن القضاء الدستوري اتجه نحو التأويل الإيجابي لهذا المبدأ، واعتبر أن الأخوة نابعة من الإنسانية، وتخص الفرنسيين وغير الفرنسيين.

فالقانون قبل إقراره بشكل رسمي، بذريعة إصلاح قانون الهجرة، في نسخته المحينة التي تعتبر أكثر صرامة وتشددا، تبناه مجلس الشيوخ الفرنسي قبل أن تمرره الجمعية الوطنية، في تمرين برلماني، قبل التوافق بينهما على النسخة النهائي؛ بينما سيواجه اختبار دستوري وحقوقي، ما من شأنه الفصل في ميلاد دولة فرنسية ”رجعية”، في حالة لم يقومه المجلس الدستوري.

ويروم القانون إلى فرض وتشديد القيود والرقابة على الهجرة واللجوء ومنح الإقامة والجنسية؛ والتي تتضمن تشديد شروط الإقامة والجنسية، واختبار إتقان اللغة، وتعززيز الرقابة على هجرة الطلاب، المشروط بوديعة مالية، وإعادة تجريم الإقامة غير القانونية، وفرض غرامة قدرها 3,750 يورو على الهجرة غير النظامية.

أما بخصوص الجنسية، سيتم إلغاء منح الجنسية للأطفال المولودين في فرنسا من والدين أجنبيين، مع تمديد مدة الإقامة المشترطة لطلب الجنسية، مع سحبها في جرائم تهم القتل أو قتل عنصر من الشرطة أو السلطة العامة.

كما تشمل الإجراءات الجديدة للمشروع، اللجوء إلى إصدار أمر بمغادرة الأراضي الفرنسية، بمجرد رفض طلب اللجوء ابتدائيا، دون انتظار الطعن أمامه بالمحكمة؛ ويترتب عن ذلك الإلغاء الفوري للحقوق الاجتماعية المكتسبة، بما فيها الصحة ومراكز الإيواء.

أما شروط الإقامة، ستشهد تمديد شرط مدة الإقامة من أجل المطالبة بلم الأسرة، من مدة الإقامة من 18 شهرا إلى 24 شهرا، ويمنع منعا كليا لم الشمل قبل سنتين.

وبخصوص الدعم الاجتماعي والصحي، فسيتم إلغاء الضمان الاجتماعي للأجانب، بعد رفض الإقامة أو سحب تصريح الإقامة أو صدور قرار ترحيل؛ مع تشديد شروط الحصول على بعض الامتيازات الاجتماعية، كالمساعدات العائلية، والمساعدة السكنية الشخصية، وغيرها من الحقوق، بعد 5 سنوات من الإقامة عوض 6 أشهر.

كما يشمل المشروع إلغاء المساعدة الطبية الحكومية، والاقتصار على ما هو طارئ، والمتعلق بالحمل، واللقاح، والأمراض الخطير.

كما يتضمن المشروع إلغاء الاستفادة من خدمات العمال، في حالة كان المهاجر في وضعية غير نظامية، أو في رفض الإقامة أو سحب تصريح الإقامة أو صدور قرار بالترحيل.

أما الإقامة التلقائية لعمال المهن الخطيرة، فسيتم تعويضها بتصريح استثنائي لمدة عام، مع اشتراط العمل خلال عامين ضمن المهن التي تعاني من نقص في الأيدي العاملة، وإثبات الإقامة في فرنسا لمدة ثلاثة أعوام على الأقل، شرط احترام قيم الجمهورية.

وتأتي هاته السياسية العدائية ضد المهاجرين، بعد تنامي حد العنف والجريمة في صفوف الفرنسيين من أصول غير فرنسية، على اعتبار أنهم يتمتعون بحقوق أساسية، لكونهم لا يحترمون القيم الفرنسية؛ في إشارة إلى الفرنسيين من أصول جزائرية، كون أنهم صنفوا كفرنسيين، في الفترة التي اعتبرت فيها الجزائر مقاطعة فرنسية، واستفادوا من بعض الامتيازات التي تثيقل كاهل الدولة.

وقد طالبت كتلة الجمهوريين في شخص رئيسهم بمجلس الشيوخ، بتعديل دستوري، يتلاءم مع تشديد وتضييق الخناق ضد المهاجرين واللاجئين؛ الأمر الذي من شأنه الإعلان على جمهورية فرنسية جديدة، بالإضافة إلى أنه مراوغة استباقية في حالة رفضه من المجلس الدستوري، قصد اتخاذ خطة تشريعية دستورية مقبلة، ليكون القانون مطابق للدستور.

فيما يضع اليساري الفرنسي الذي يمثله حزب فرنسا الأبية، الرهان على المجلس الدستوري من أجل التراجع على تقويض المكتسبات الحقوقية للإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطنة، بعد أن أضحت فرنسا تسجل تراجع في قيم حقوق الإنسان.

فمشروع قانون الهجرة الفرنسي، يشكل تمرين سياسي مؤسساتي ودستوري، ستفرج نتائج عن عقيدة فرنسية الجديدة، والتي ستنعكس على السياسات الخارجية لفرنسا والإتحاد الأوربي مع شركائما، وسيسطر شروط جديدة في ترتيب العلاقات والأولويات، بما فيها التخلي والتراجع عن منظومة القيم الكونية والإنسانية.

كما سينهي القانون إن تم تصديره بشكل رسمي، مع ثوابت “الحرية” و”العدالة” و”الأخوة”، وسيعلن عن ميلاد جمهورية فرنسية جديدة، شعارها الرسمي “الرجعية” و”العنصرية” و”نازية”، بعد أن كانت تلك الشعارات معلن بشكل ضمني في سياسة الدولة الفرنسية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *