عودة الاقتتال الداخلي بين أغنياء الحرب في الرابوني..حرب ولاءات تفجر “بوليساريو”

لم تكن الأحداث الأخيرة، والتي لا تزال متواصلة في مخيمات تندوف، إلا حلقة من حلقات الأزمة الداخلية، التي يعيشها محيط زعيم الرابوني، الفاقد للبوصلة، منذ مؤتمره الأخير، بعد تيقنه من أنه لا يحظى بأي دعم داخلي، وأن تمسك الجزائريين به ليس إلا خيارا فرضه فراغ الساحة من المؤهلين لخلافته.
وكشفت يومية الصباح، ان هذا ظهر جليا في ثنايا الأحداث الأخيرة، إذ بقي وحيدا معزولا حتى عن أقرب أصدقائه.

كما أن الأحداث الأمنية التي شهدت تصاعدا دراميا، خلال الأسابيع الماضية، كشفت عن حقيقة الشخصية المهزوزة التي تميز محيط زعيم “بوليساريو”، فالطريقة القمعية التي استخدمتها مريم السالك احماده، ذراعه الأمني، لاقت رفضا واسعا داخل العديد من الأوساط القيادية والقبلية، إذ عجز إبراهيم غالي عن تحقيق أي إجماع قبلي حوله، وهو ما حال بينه وبين إيجاد مخرج آمن من هذه الأزمة، بعدما رفض شيوخ القبائل التجاوب معه بسبب تهميشه لهم طيلة السنوات الماضية.
وفجرت الأحداث الدامية بالمخيمات الخلاف العميق بين أجنحة “بوليساريو” المتصارعة، منذ وفاة أمينها العام السابق محمد عبد العزيز، ليغذي حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الرابوني، بسبب التناحر القبلي، الذي تديره القيادات من وراء الستار، للدفاع عن مصالحها الضيقة، بعدما انكشفت شعاراتها للعامة وانجلى للجميع زيف “بروبكندا” العودة للحرب بعد العملية الأمنية في الكركرات.
لكن، منذ عودة الاقتتال الداخلي بين أغنياء الحرب في الرابوني، برز جليا وجود شرخ عميق بين كل مكونات “بوليساريو”، سواء الذي يحظى بدعم جزائري صريح، أو البقية التي تستمد قوتها من تحالفات قبلية قوية، فلحبيب محمد عبد العزيز، نجل الزعيم السابق، والذي يحظى بعلاقات واسعة ومباشرة مع قيادات الجيش الجزائري، اختفى تماما عن المشهد، بعدما تصدر الأحداث في مناسبات سابقة، حين زج بقواته الخاصة، التي يحمل فيلقها اسم أبيه، في شجارات قبلية، وساهم في إخماد العديد من الثورات القبلية بالمخيمات، فقد اختار هذه المرة أن يتفرج على تخبط إبراهيم غالي، شأنه في ذلك شأن العديد من قيادات “بوليساريو” الوازنة من أمثال “كريكاو” ومحمد لمين البوهالي وخطري أدوه وعبد القادر طالب عمر، الذين اختاروا أيضا الابتعاد عن إبراهيم غالي، وعدم الخوض في صراعاته التافهة، بعدما تيقنوا أنه مستعد لإحراق المخيم برمته لأجل إرضاء غرائزه الحيوانية.
ويعتبر صراع الأجنحة داخل “بوليساريو” واحدا من أكثر الملفات حساسية وتعقيدا فوق مكاتب المخابرات العسكرية الجزائرية، لأن الأمر يتعلق بتقسيمات قبلية تخضع لمنطق الولاءات فقط. فقيادات “رقيبات الشرق”، وهي الأكثر عددا، تعتبر صمام الأمان لجنرالات بن عكنون، من أجل إطالة أمد المخيمات، إذ منحت لهم جميع أسباب البقاء بالجزائر، فقد تم تجنيسهم، وأعطوا منازل ورواتب شهرية، ومنهم من يترشح للانتخابات الجزائرية، المحلية منها والبرلمانية.
لكن جناح “رقيبات الساحل” لا يمكنه التفريط فيه لأنه ينتمي لأرض الصحراء، ويمتلك بذلك شرعية قانونية أساسية من أجل الترويج لأطروحات الدبلوماسية الجزائرية، في ما يتعلق بخرافة الاستفتاء وتقرير المصير، بينما الجناح الثالث، المكون من “تكنة”، وبعض الأقليات القبلية، فيستغل في إطار سعي الجزائر إلى نشر الفتنة في كافة تراب الصحراء، بما فيه المناطق التي توجد تحت سيادة الدولة المغربية منذ استقلالها. هذه الأجنحة تحتشد وتقيم تحالفات داخلية لأجل فرض خيار معين يحافظ على مصالحها ويمكنها من التقرب أكثر من الأجهزة الجزائرية، ولو أدى بها الأمر إلى التسبب في اقتتال قبلي.
ثورة “الرقيبات السواعد” الأخيرة ضد زعيم “بوليساريو”، أظهرت حجم التصدع الحاصل في الرابوني، وأخرجت مناورات الأجنحة إلى العلن، فبعدما غذت المواجهات في المخيمات، دفعت بقياداتها إلى الجهر بمناوءة إبراهيم غالي في قراراته الأمنية، وطلبت من قائد المنطقة العسكرية الجزائرية الثالثة تنظيم لقاء لها مع سعيد شنقريحة، لتضعه في حقيقة الوضع، وكارثية ما يجر إليه غالي المخيمات، ليس مخافة على مصير الصحراويين، ولكن في سبيل انتزاع ما يمكن انتزاعه من امتيازات مادية ومعنوية تمكنهم من تعزيز سطوتهم على الأبرياء.