استقبال المنتخب الوطني للسيدات في عيد العرش…عبقرية ملك

في مشهد نادر يحمل الكثير من الدلالات العميقة، استقبل الملك محمد السادس المنتخب الوطني النسوي لكرة القدم بعد إنجازه البطولي بوصوله إلى نهائي كأس أمم إفريقيا للسيدات، في يوم له رمزية استثنائية: عيد العرش.

قد يمرّ الحدث عاديًا في الأخبار: استقبال رسمي لفريق رياضي بعد تمثيل مشرف، لكن الحقيقة أن ما جرى أمس تجاوز الإطار الرياضي أو البروتوكولي، ليشكّل لحظة فارقة في الوعي الجمعي المغربي حول المرأة، حول السلطة، وحول تمثّلاتنا الجماعية لما هو “بطولة”، وما هو “استحقاق”.

ففي زمن تهيمن فيه الصور المكرّرة في المشهد السياسي والرياضي، يبرز بين الفينة والأخرى مشهد استثنائي يُعيد تشكيل الرمزية، ويمنح المعنى للحدث. هكذا كان استقبال الملك محمد السادس للمنتخب الوطني النسوي لكرة القدم في يوم ذي حمولة رمزية قصوى، فحين ذرفَت لاعبات المنتخب النسوي دموع الهزيمة المفاجئة في النهائي، لم يكن أحد يتوقّع أن تُمسح تلك الدموع باستقبال ملكي في يوم عيد العرش. لقد قلب الملك معادلة الحزن إلى لحظة اعتراف وطني، في عزّ الشعور بالمرارة، منحهن وسام المجد في استقبال رسمي، حافل بالحب والتقدير، وعميق الرمزية.

من أهم ما ميّز الاستقبال الملكي هو طابع التلقائية والعفوية، أخذ الصّور مع اللاعبات، سلّم عليهن بحرارة، تسلّم منهن قمصانهن الموقّعة والحذاء الذهبي لهدافة المنتخب، بل تقاسم معهن لحظات أبويّة صادقة.

لم تكن الصورة صورة سلطان يكرّم رعاياه، بل صورة أب يفتخر ببناته. هذه اللمسة الإنسانية العميقة تشير إلى رؤية ملكية تتجاوز السائد في مجتمعنا، فبينما لا تزال قطاعات من المجتمع تنظر بريبة إلى الرياضة النسوية، جاء هذا الاستقبال ليمنحها المشروعية والاعتراف من أعلى سلطة في البلاد. إنها رسالة تتجاوز الرمزية، لتضرب في عمق الثقافة الذكورية المتجذرة، وتعيد رسم أفق جديد لمكانة المرأة في الفضاء العمومي.

لم تكن الرياضة النسوية، خصوصًا كرة القدم يومًا في صلب الاهتمام المجتمعي أو المؤسساتي. لكن ما جرى يوم عيد العرش يؤشر إلى تحول نوعي في تصور الدولة للرياضة النسائية، من كونها تمثيلًا رمزيًا إلى كونها ورشًا للتمكين والمواطنة. فأن تُدرج كرة القدم النسوية ضمن الاحتفال الرسمي بعيد العرش يعني أن صورة الوطن لم تعد تُبنى فقط بأقدام الرجال، بل أيضًا بجهود النساء، وبكفاءات لا تقل احترافًا ولا شغفًا.

لم يعد ممكنًا بعد اليوم الحديث عن كرة القدم باعتبارها “لعبة رجالية”. فاللحظة الملكية أفرزت مخيالًا جديدًا للبطولة، حيث تغدو الأنوثة شريكة في المجد، لا نقيضًا له. لقد صارت الطفلة المغربية تملك الآن نموذجًا تفتخر به: لاعبة ترتدي قميص الوطن، تبذل كل ما لديها، ويُحتفى بها من قبل رئيس الدولة. تلك صورة ستُخلّد لعشرات السنين في ذاكرة الأجيال القادمة، وستُنتج تحوّلًا في العقليات على المدى الطويل.

ما جرى في يوم عيد العرش ليس مجرد تكريم، بل هو إعادة صياغة للعلاقة بين السلطة والمجتمع، بين الدولة والمرأة، بين الرياضة والاعتراف الرمزي. إنها لحظة سيادية نادرة، تُمارَس فيها السلطة بالحب وبالاحتفاء.

لقد قدّم الملك محمد السادس درسا في كيفية ممارسة السيادة كفنّ رمزي، حيث تُصنع اللحظات الكبرى من التفاصيل البسيطة: حضنٌ حارّ، صورة جماعية، قميص موقّع، وابتسامة تعترف بأن الوطن يتّسع للجميع، رجالًا ونساءً. وقبل الختام لابد لنا من الاعتراف بالعمل الخرافي الذي يقوم به رئيس الجامعة فوزي القجع…هنيئا لنا بملكنا العبقري و شكرا لبناتنا البطلات…

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *