عيد العرش...الرؤية الملكية للسياسة الخارجية في أبعادها العربية والإفريقية
تحتفل المملكة المغربية يومه الأحد 30 يوليوز، بالذكرى الرابعة والعشرون لتولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، وهي مناسبة لرصد وتقييم ملامح السياسة الخارجية خاصة في دوائرها العربية والإفريقية، فمنذ تولي جلالة الملك العرش سنة 1999، وهو يسير ملتزما بتعزيز دور المغرب الإيجابي والمعتدل عربيا وإفريقيا. وقد عمل جلالته منذ توليه مقاليد الحكم على تعزيز علاقات المغرب الخارجية، وتقوية دور المملكة المحوري في العمل من أجل السلام والاستقرار الإقليمي
وتنتهج المملكة المغربية منذ استقلالها سياسة خارجية متوازنة وفاعلة، تضع المصلحة الوطنية على رأس أولوياتها، وتحرص على دعم التوجه العربي والإفريقي وتشجيع وحدتها وتكاملها بما يحقق مصالح شعوبها، مبرزة أهمية التعاون بين الدول والشعوب في إطار الالتزام بأسس ومبادئ الشرعية الدولية باعتباره أساسا لعالم أكثر استقرارا ورفاهية وتنمية، ومتمسكة بضرورة تسوية كافة المنازعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية، واحترام سيادة الدول الأخرى ومنع التدخل في شؤونها الداخلية، وداعية إلى السلام كهدف استراتيجي، الأمر الذي أكسبها مكانة مرموقة في ضوء التقدير الإقليمي والعالمي واسع النطاق للسياسة الحكيمة والعقلانية والمتوازنة التي يقودها جلالة الملك بحنكة وخبرة عالية.
وبحكم طبيعة نظامه الدستوري المتميز فإن السياسة الخارجية المغربية، لا سيما ما يتعلق بتحديد اختياراتها الأساسية والاستراتيجية، تبقى محصورة في يد جلالة الملك الذي يستند في هذا المجال على أعراف وأحكام دستوريه، وتجربته سياسية طويلة كولي للعهد ودراسته الأكاديمية في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الأمر الذي مكنه من مراكمة حنكة واسعة وخبرة كبيرة بالواقع الإقليمي الدولي في أبعاده المختلفة وفي تقلباته المتواصلة، ومن إدراك واقعي ومتزن لخيوط اللعبة الدولية والقوى المتحكمة في النظام الدولي. وفي الحقيقة، فإن هذا الموقع المحوري لجلالته، في الحقل الخارجي لا ينبغي أن يفهم على أساس أنه احتكاري، بل إنه في إطار ضبط النسق نفسه، وقد يلعب وزير الخارجية الدور المحرك والأساسي إلى جانب جلالة الملك في إدارة الآلة الدبلوماسية، بما يحقق المصلحة الوطنية للدولة والحفاظ على سيادة الدولة ضد أي تهديدات داخلية أو خارجية.
يقول علماء السياسة إن السياسة الخارجية للدولة هي انعكاس صادق وأمين لسياستها الداخلية، وعليه فإن السياسة الخارجية المغربية في عهد الملك محمد السادس، قد حددت الملامح الكبرى التي ترتكز عليها سياتها الخارجية؛ والتي يأتي في مقدمتها التأكيد على سيادة واستقلال ووحدة أراضي المملكة المغربية على المستوى الاقليمي والدولي، إضافة إلى صيانة وحماية مصالح المغرب الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في الخارج والدفاع عنها، مع تنمية وتعزيز وتقوية الروابط والعلاقات بين المملكة المغربية وكافة الدول والهيئات العربية والإفريقية والدولية، وتمثيل المغرب في المحافل الإقليمية والدولية، فضلا عن دعم القضايا العادلة للأمة العربية والاسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
في هذا الإطار، تكتسب الدائرة الأفريقية أولوية متقدمة في تحركات الدبلوماسية المغربية كونها تمثل الامتداد الطبيعي والحيوي للمملكة ومكمن قوتها واستقرارها، فقد كانت المملكة من أولى الدول التي دعت وشاركت في إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية وقدمت كل أنواع الدعم والمساندة لتطويرها وتفعيلها، باعتبارها مصدر قوة وإضافة ودعما لأعضائها وتعزيزا لقدراتهم على مواجهة كل التحديات، وعلى غرار مشاركتها الفاعلة في تفعيل دور المؤسسة الإفريقية في تحقيق تماسك الأفريقي المشترك، دعا جلالته في العديد من المناسبات إلى "انبثاق إفريقيا الجديدة: إفريقيا القوية، إفريقيا الجريئة التي تتولى الدفاع عن مصالحها".
ويحرص جلالة الملك على المشاركة في القمم الأفريقية مباشرة بعض عودة المغرب إلى شغل معقدة الفارع داخل المنظمة، وشهدت أعمال الجلسة الختامية للقمة الإفريقية الـ 28، على مستوى رؤساء الدول والحكومات مشاركة جلالته، ولقا الحضور الملكي ترحيبا كبير من قبل كافة الوفود المشاركة، وجاء هذا الحضور ليعطي دلالة واضحة عما يمثله الاتحاد الإفريقي من أهمية وأولوية لدى جلالته وللمملكة المغربية.
كما تعتز المملكة بحقيقة انتمائها العربي، وتفاعلها الكبير مع هموم الأمة العربية وقضاياها وحقوقها، ودعم قضاياها المصيرية، وتفعيل وتطوير آليات العمل العربي المشترك والمنظمات الإقليمية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، كضرورة قومية ملحة تفرضها التحديات الراهنة. حيث تشكل القضية الفلسطينية حجر الزاوية في اهتمامات جلالة الملك الذي دائما ما يطالب المجتمع الدولي بوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية، وتحقيق التسوية السلمية في الشرق الأوسط بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولطالما اعتبر جلالته القضية الفلسطينية في مرتبة القضية الوطنية وتأتي في صدارة اهتماماته، إلى جانب تأكيده المستمر على ضرورة الحفاظ على أمن كافة الدول العربية واستقراره وضمان وحدتها الترابية، ودعوته إلى حل المنازعات العربية بالطرق الدبلوماسية، بما في ذلك إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والحد من التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وبشكل عام، فإن السياسة الخارجية للمملكة المغربية تتضمن العديد من الأهداف التي سعى جلالة الملك محمد السادس إلى تحقيقها عن طريق استغلال الموارد المتاحة لتحقيق المصالح القومية للمملكة، حيث يسعى المغرب بقيادة جلالة الملك إلى التفاعل مع البيئة الإقليمية والدولية المتغيرة باستمرار، والتأثير على العناصر المكونة لسياسة المجتمع الدولي؛ لتحقيق أهدافها الاستراتيجية لحفظ الأمن القومي وتنمية الاقتصاد الوطني، وتحقيق الأمن والسلام العالمي والإقليمي، وصيانة وحماية مصالح المملكة الاستراتيجية في الخارج.
عبد الغني الباهي
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية