سعد بوعشرين
صادق مجلس النواب بالأغلبية يوم 5 مارس على مشروع القانون التنظيمي 04.21 يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، وخصوصا المادة التي تهم احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية عوض عدد المصوتين. وقد أثار موضوع القاسم الانتخابي جدلا واسعا داخل الساحة السياسية المغربية كما شكل موضوع خلاف بين حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الحالية وأحزاب التحالف الحكومي وأحزاب المعارضة على حد سواء. ففي الوقت الذي ذهب فيه عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عزيز رباح إلى وصف تصويت مجلس النواب على القانون الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية بأنه إساءة للوطن، أجمعت أحزاب الأغلبية الحكومية الأخرى وأحزاب المعارضة على قطع الطريق أمام الآلة الانتخابية القوية للعدالة والتنمية من خلال التصويت على القانون المذكور لحرمانه من نحو ثلث المقاعد التي من المحتمل أن يحصدها في الانتخابات التشريعية المقبلة.
هناك كعكة مكونة من 395 مقعد برلماني سوف يتقاسمها خليط من المتنافسين أهم ما يجمع بينهم هو إتقانهم لحرفة الانتخابات بكل ما تعنيه من مهارات إقناع الناخبين عبر كل الوسائل الممكنة لوضع العلامة المطلوبة على ورقة الانتخاب والإلقاء بها في الصندوق، دون الالتفات إلى عناوين البرنامج السياسي المقترح أو امتداداته الاجتماعية والاقتصادية، أو حتى الاكتراث إلى مستقبل العملية السياسية وآثارها على البناء المؤسساتي الكفيل بامتصاص الطلب الاجتماعي الذي يضغط بشدة في ظل مخلفات الجائحة الوبائية العالمية.
كعكة برلمانية يجب الفوز بها ضدا على المشروعية التمثيلية للغرفة التشريعية التي يجلس على أغلبية مقاعدها أدوات انتخابية لا علاقة لها بمجالات التشريع وتتبع وتحليل وتقييم السياسات العمومية، كل همهم قطع الطريق على الكفاءات التي يزخر بها المغرب لتأمين مواقع تضمن لهم المصالح الاقتصادية وتضمن لهم الاستمرار في لعبة التوازنات خدمة للوبي الفساد المستشري في شريان الحياة الاقتصادية.
نسمع اليوم أن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية هو إساءة للوطن والموقف صادر عن أحد صقور حزب رئيس الحكومة والغريب في الأمر أن الإساءة للوطن أصبحت في نظر السيد وزير الطاقة والمعادن تساوي فقدان حزب (أيديولوجية المشروع الحضاري الإسلامي) لعدد من المقاعد ربما قد لا تبوؤه المرتبة الأولى في الانتخابات لكي يترأس حكومة سبق أن ترأسها لمدة عشر سنوات بحصيلة أدت إلى تدخل ملك البلاد من أجل إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي ككل سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي أو حتى الديبلوماسي.
يمكن أن يؤدي القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية إلى بلقنة الحياة السياسية، ويمكن أن ينهي أطروحة القطبية السياسية، فهل نعتبر الحكومة الحالية والحكومة التي سبقتها نتيجة لتحالف أقطاب سياسية منسجمة، وهل استطعنا أن نتجاوز البلقنة السياسية على المستويات الترابية وهل استطاعت الحكومة أن تقدم حلولا بديلة لمدة عشر سنوات مضت سواء فيما يخص تأهيل العمل السياسي أو تعبئة ديناميات المجتمع في مشاريع سياسية جديدة أو حتى استيعاب تعبيرات المجتمع كمطالب الريف وغيرها.
لقد منح القاسم الانتخابي على أساس المصوتين فرصة لأعضاء حزب العدالة والتنمية لكي يتمرسوا على تدبير الشأن العام في العديد من المجالات والحاصل أن الحزب مارس سياسة الانغلاق على نفسه فاسحا المجال لأعضائه للاستفادة من موقعه على رأس الحكومة وعلى رأس مجموعة من القطاعات الوزارية وداخل المؤسسة التشريعية واليوم هو يجنى نتيجة سياسته المنغلقة حيث وقفت كل الأحزاب ضده في مسألة القاسم الانتخابي لكي تتضح معالم استراتيجية تدبير المخاطر لحزب العدالة والتنمية. فمعنى أن تكون حزبا قويا ليس الرهان على الهوية الدينية للشعب المغربي وحصد أغلبية مقاعد البرلمان، بل وضع استراتيجية للتحالفات لا تجعلك في عزلة أثناء عملية التصويت على القانون الانتخابي، فالإساءة الحقيقية للوطن هو أن تقبل ترؤس أغلبية حكومية من خمسة أحزاب أربعة منها تقف ضدك في البرلمان، وأن تنادي بمشروع سياسي لا يتقاسمه معك حلفاؤك في الحكومة وأن تبشر بأفق في الانفتاح الاقتصادي والسياسي والديبلوماسي لا توجد عناصره في مضامين أطروحتك النظرية وأوراقك الأيدولوجية.
لقد أصبح المغرب بفضل توجهات ملك البلاد قطبا اقتصاديا في القارة الإفريقية وفاعلا قويا ومعتبرا أمام الاتحاد الأوروبي وله تحالفات استراتيجية واعدة باتجاه المحورين الأمريكي والصيني وتلزمه حكومة بحجم الرهانات الجيوستراتيجية المطروحة وفي مستوى تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وهذا لن يتأتى بالقاسم الانتخابي على أساس المصوتين أو على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، بل على أساس قدرة من يريد تدبير الشأن العام على استيعاب رهانات البلاد الداخلية والخارجية وتقديم عرض سياسي في مستوى توجهات عاهل البلاد.