الدكتور العسري ينتقد مقاربة الحكومة في إصلاح الجبايات ويدعو لنقاش وطني مسؤول

يكشف تصريح الدكتور جواد العسري، أستاذ المالية العمومية بجامعة الحسن الثاني، عن موقف نقدي عميق تجاه المنهجية التي تعتمدها الحكومة في تدبير ملف جبايات الجماعات الترابية، خاصة في ما يتعلق بالتنقل السريع والمتضارب للاختصاصات بين المؤسسات. ويُمكن تحليل هذا الموقف من خلال المحاور التالية:
1. غياب الاستقرار التشريعي وافتقار الرؤية الاستراتيجية
يشير الدكتور العسري إلى ما وصفه بـ”مقاربة الكر والفر” في التشريع، حيث تتنقل مهام تدبير الرسوم المحلية بين المديرية العامة للضرائب والخزينة العامة للمملكة خلال فترة قصيرة، دون تقييم موضوعي للأداء أو اعتماد منهجية واضحة للإصلاح. هذه الارتجالية، في نظره، تُقوض مبدأ الاستقرار التشريعي وتربك الفاعلين المؤسساتيين، كما تضعف الثقة في مسار الإصلاح الجبائي.
2. إقحام البرلمان في تجاذبات إدارية غير معلنة
يرى الأستاذ العسري أن البرلمان أصبح في قلب خلافات تقنية لا تمت بصلة لوظيفته الدستورية، وهو ما يشكل انزياحًا خطيرًا عن دوره كسلطة تشريعية مستقلة، ويُفرغه من محتواه الديمقراطي. فتحويله إلى مجرد آلية لإضفاء الشرعية على قرارات إدارية يضر بصورة المؤسسة التشريعية ويمس بمصداقية التشريع نفسه.
3. الطعن في سلامة الأسس المرجعية والقانونية للتعديل
فند العسري بشكل واضح محاولة الحكومة الاستناد إلى القانون الإطار رقم 69.19 لتبرير تعديل قانون الجبايات، موضحًا أن هذا القانون أُعد سنة 2019، بينما تم التعديل الأول لقانون الجبايات الترابية سنة 2020، ما يجعل الاستناد عليه في الوقت الراهن متأخرًا وغير مؤسس. ويطرح في هذا الصدد سؤالًا محوريًا: لماذا لم يتم اعتماد هذا التوجه منذ أربع سنوات إذا كان بالفعل نابعًا من القانون الإطار؟
4. تجاهل المؤشرات الإيجابية لأداء الخزينة العامة
من أبرز المعطيات التي تُضعف مبررات سحب الاختصاص من الخزينة، ما ذكره المقال من تسجيل ارتفاع في الحصيلة الجبائية بأكثر من 38% منذ توليها تدبير الرسمين. غياب أي تقييم رسمي أو مؤشرات أداء سلبية يجعل هذا القرار غير مبرر، ويُفهم منه أنه قد يكون نتيجة اعتبارات غير معلنة، قد تكون إدارية أو سياسية، لا علاقة لها بالنّجاعة أو المردودية.
5. دعوة إلى إصلاح مؤسس وعقلاني لمنظومة الجبايات المحلية
في ختام تصريحه، دعا الدكتور العسري إلى نقاش وطني مؤطر ومسؤول حول مستقبل الجباية المحلية، يميز بين ما يتطلب تدخلًا تشريعيًا وما يمكن معالجته بقرارات إدارية جريئة. وأكد على ضرورة احترام مبدأ استقرار النصوص القانونية وهيبة المؤسسات، باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا لنجاح أي إصلاح جبائي، ولترسيخ الثقة في الدولة ومساراتها الإصلاحية.
خلاصة:
يعكس موقف الدكتور جواد العسري رؤية نقدية رصينة تنطلق من فهم مؤسساتي ومالي دقيق، وحرصًا على صيانة المكتسبات القانونية وتعزيز الحكامة في تدبير الشأن الجبائي المحلي. تحذيره من العبث بالنصوص وبدور المؤسسات، يشكل تنبيهًا مهمًا لضرورة إعمال منطق التقييم والمساءلة قبل الإقدام على أي تعديل يمس بنيات الدولة وتوازن اختصاصاتها.