الشرع لتبون وللجيش الجزائري والبوليساريو... لا إفلات من العقاب

في خطوة تعكس تعقيدات التحالفات الإقليمية وتفاقم عزلة الجزائر، رفض الرئيس السوري المرحلي أحمد الشرع طلبا رسميا من وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف للإفراج عن ضباط وجنود جزائريين، بالإضافة إلى عناصر من مليشيات البوليساريو.
وهم العناصر الذين اعتقلتهم هيئة تحرير الشام، في محيط حلب، حيث جاء هذا الطلب بعد مشاركة المعتقلين في القتال إلى جانب قوات النظام السوري بقيادة بشار الأسد، بدعم من إيران وحزب الله، قبل أن يتم أسرهم خلال هجوم شنته هيئة تحرير الشام في أواخر نوفمبر الماضي.
وقد جاء الطلب خلال الزيارة الرسمية لوزير الخارجية أحمد عطاف، في 8 فبراير 2025، حيث التقى الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في أول زيارة لمسؤول جزائري منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.
حيث قام خلال الزيارة، بتسليم رسالة خطية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الرئيس الشرع، معبرًا عن تهانيه وتمنياته بالتوفيق في المرحلة الانتقالية، حيث ناقش معه سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك بين البلدين.
تأتي هذه الزيارة في إطار سعي الجزائر لتصحيح الخطأ الدبلوماسي القاتل، الذي رفض فيه وهاجمت الثورة السورية، ووصفت القيادة الحالية بالإرهاب، وقدمت دعما مطلقا للرئيس المخلوع بشار الأسد، في التصدي الدموي للثورة السورية.
وهي الزيارة التي فهم منها ديبلوماسية شراء الذمم بأموال البترول والغاز الجزائريين، مقابل رفض سوري للارتشاء على حساب دماء القتلى وضحايا السوريين؛ من خلال منح مالية فوق الطاولة، والتستر على فضيحة مقاتلي الجيش الجزائري وميليشيات، دون حساب ولا عقاب.
الشرع يواجه التبون بمبدأ عدم الافلات من العقاب ضد مقاتلي الجزائر والبوليساريو المتورطين في جرائم الحرب
حسب تقارير سورية، شمل المعتقلون ضباطًا جزائريين برتبة لواء ونحو 500 عنصر من الجيش الجزائري ومليشيات البوليساريو؛ بينما أوضح الرئيس الشرع أن هؤلاء المعتقلين سيخضعون للمحاكمة إلى جانب عناصر النظام السوري المعتقلين، وفق القواعد الدولية الخاصة بمعاملة أسرى الحرب.
هذا الرفض يُعد إشارة واضحة إلى أن دمشق لن تتنازل عن موقفها القانوني والأمنية في تحقيق العدالة، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاتها مع الجزائر، التي كانت من أبرز داعمي نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية.
البوليساريو وإيران وحزب الله... تحالفات تمتد من سوريا إلى الصحراء
يأتي هذا الرفض في وقت كشفت فيه تقارير إعلامية عن تعاون وثيق بين مليشيات البوليساريو وإيران وحزب الله، حيث تقاتل هذه المليشيات إلى جانب قوات النظام السوري، وترتكب مجازر ضد السوريين السنة الثوار.
وقد شمل التعاون العسكري بين مكونات التحالفات المشبوهة، التنسيق والتدريب المشترك، مما يعزز الأسباب المشروعة التي دفعت المغرب إلى قطع علاقاته مع إيران في 2018، بعد ثبوت تورط طهران، عبر حزب الله، في تسليح جبهة البوليساريو.
حيث قرر المغرب قطع علاقاته مع إيران، بعد كشف مخططات طهران لنقل خبرات عسكرية متقدمة إلى البوليساريو عبر حزب الله، هذه الخطوة لم تكن مجرد قرار دبلوماسي، بل جاءت ضمن استراتيجية أوسع لحماية الأمن القومي المغربي وكشف المخططات الإيرانية في المنطقة.
المغرب، الذي اتخذ موقفًا واضحًا في مواجهة النفوذ الإيراني، يبدو أن قراره لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل كان استباقًا استراتيجيًا لكشف مخططات إيران وحزب الله في المنطقة؛ رغم التكذيب والتشكيك، إلى أن انتصر العدالة التاريخية للمغرب.
في المقابل، يظهر تواطؤ الجزائر مع النظام السوري وتحالفاتها مع طهران كعامل رئيسي في تعميق عزلتها الدولية، وتورطها في جرائم ضد الإنسانية، على حساب الشعب السوري، الذي ظل يعاني من مختلف جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية.
الجزائر ودبلوماسية بترودلار والإغراءات الاقتصادية وشراء الذمم
تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الجزائر حاولت استخدام الإغراءات الاقتصادية، وعروض إعادة إعمار، لضمان الإفراج عن المعتقلين الجزائريين ومقاتلي البوليساريو، إلا أن دمشق رفضت هذا الابتزاز؛ وهو أسلوب دبلوماسي جزائري معتاد.
هذه المحاولات تعكس مدى الارتباك والتخبط الجزائري في التعامل مع تداعيات دعمها غير المشروط لنظام الأسد، محاولة غسل ماء الوجه، خاصة في ظل تزايد الانتقادات الدولية لدور الجزائر في دعم الأنظمة المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
الجرائم ضد الإنسانية في سوريا.. سجل أسود لنظام الأسد يسائل الدعم العسكري جزائري والبوليساريو
منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، ارتكب نظام بشار الأسد، بدعم من حلفائه، انتهاكات جسيمة ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، كما وثقتها منظمات دولية وأحكام قضائية غربية، والتي تشمل الجرائم التالية:
- المجازر الجماعية: تنفيذ عمليات قتل جماعي للمدنيين في داريا، الحولة، الغوطة الشرقية، وحلب.
- الهجمات الكيميائية: أبرزها مجزرة الغوطة الشرقية في 2013، التي قُتل فيها أكثر من 1,400 مدني بغاز السارين.
- التعذيب والاختفاء القسري: كما كشف "ملف قيصر"، الذي يضم أكثر من 50 ألف صورة توثق تعذيب وقتل المعتقلين في سجون النظام.
- القصف العشوائي والتجويع الممنهج: تدمير المدن وفرض حصار على مناطق مثل مضايا وحمص والغوطة، مما تسبب في موت آلاف المدنيين جوعًا.
- استهداف المنشآت الطبية: قصف المستشفيات والمرافق الطبية بشكل ممنهج لحرمان المدنيين من العلاج.
- التهجير القسري: تشير معطيات دولية رسمية وغير رسمية، إلى أن أرقام المهاجرين بلغ في حدود 2022 إلى حوالي 7 مليون لاجئين فارين من القتل والدمار والقصف العشوائي ضد المدنين.
المغرب.. موقف دبلوماسي إنساني متبصىر حازم ضد النظام السوري وإيران
على عكس الجزائر التي دعمت نظام الأسد دون تحفظ، تبنى المغرب موقفًا مبدئيًا منذ بداية الأزمة السورية، حيث سحب اعترافه بالنظام السوري، ووقف إلى جانب الشعب السوري في محنته، واستقبال سوريين مطرودين على يد الجيش الجزائري، أمام الحدود مع المغرب.
كما كان المغرب من الدول التي شاركت في دعم المبادرات الإنسانية لمساعدة اللاجئين السوريين؛ أبرزها بناء مستشفى عسكري ميداني في مخيم الزعتري، بإشراف ملكي مباشر، خصص له الملك محمد السادس زيارة خاصة للسوريين ضحايا بشار.
مما يظهر الدبلوماسية الإنسانية للمغرب، الذي قدم جيشه لصالح أغراض طبية صحية إنسانية، ولملمة جراح السوريين؛ عكس الجزائر التي ساهمت بشكل مباشر عبر جيشها وميليشيات البوليساريو، في تعميق آلام وجراح السوريين.
الدبلوماسية المغربية المتبصرة تعزل الجزائر وتصيبها بالعمى
رفض الرئيس السوري أحمد الشرع الإفراج عن المعتقلين الجزائريين يكشف ضعف التأثير الدبلوماسي للجزائر، ويؤكد أن تحالفاتها مع النظام السوري وإيران لم تؤتِ ثمارها؛ بل إن هذا الرفض يعكس تزايد عزلة الجزائر، في وقت يواصل المغرب تعزيز موقعه كقوة دبلوماسية ذات رؤية واضحة.
من خلال سياسته الحكيمة، لم يكتفِ المغرب بفضح الدعم الإيراني للبوليساريو، بل اتخذ موقفًا أخلاقيًا بالوقوف إلى جانب الشعب السوري ضد جرائم نظام الأسد، ما يعزز مصداقيته كدولة تتبنى سياسة مسؤولة ومتوازنة في القضايا الإقليمية والدولية.
في المقابل، تجد الجزائر نفسها عالقة في تحالفات مكلفة، جعلتها في موقف ضعيف دوليًا، وأظهرت عجزها عن التأثير حتى لدى حلفائها التقليديين؛ وإذا استمرت في هذا النهج، فإن عزلتها مرشحة للتفاقم، خاصة مع انكشاف المزيد من تورطها في دعم تنظيمات مسلحة خارج حدودها.