محمد زيان
الفقر العلمي والفقر الاقتصادي.. إذا كان الإنسان مؤهلا لمحاربة الفقر الاقتصادي وذلك بوضع المسار المناسب للخروج منه عن طريق التنمية، فإنه مازال لا يستطيع بعدُ الخروج من الفقر الفكري.
ومناسبة القول الجدال الذي نتج عن متابعة عبد العالي حامي الدين رئيس لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، الذي غابت عنه القيم وبيَّن عن فقر علمي حاد لدرجة أنني أستطيع القول إن الجميع بات يدعي الدفاع عن هذه القيم ويصرخ عاليا: «نعم لدي مبادئ لكن اطمئن سوف لن أطبقا لأنني لا أومن بها».
وزير الدولة الملكف بحقوق الإنسان لا يؤمن بالقيم التي طلب احترامها في ملف حامي الدين، لكونه لم يطالب بتطبيق نفس القيم والمبادئ في ملفات خصومه أو أصدقاء الماضي.
نادي القضاة لم يصرح لا بصفة مباشرة أو غير مباشرة بأن هناك قواعد ملزمة لجميع القضاة بدون قيد أو تمييز؛ قضاة ينقصهم التكوين، الشرط الذي لو توفر لما حصل ما حصل.
الودادية الحسنية للقضاة التي تود تنظيم ندوة صحفية خصيصا للجواب على تصريحات وزير العدل السابق، لا تؤمن باستقلالية القضاء ولا بالمبادئ الدستورية ولا الكونية.
وإذا كان في الولايات المتحدة الأمريكية لهم الحق بإعادة فتح ملف طاله التقادم وفي أي وقت كان بمجرد ظهور مستجدات وأدلة جديدة في القضية، فهذا لأن مبدأ التقادم في الجريمة لا يطبق بالولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث إن من صرح بالمؤاخذة هم جماعة من المواطنين أقروا بالإجماع على براءة المتهم أو مؤاخذته.
وينحصر دور القاضي بأمريكا في الإفراج الفوري عن المتهم بقاعة الجلسات أو تعيينه يوم النطق بالعقوبة، فالقاضي المتمرس لا يصرح بالمؤاخذة.
أما في المغرب، فهناك مبدأ التقادم بمعنى أن جميع الملفات الجنائية التي مرَّت عليها مدة 14 سنة تعتبر كأنها لم تكن وتُغلق بصفة نهائية؛ فالقاضي أو القضاة الذين لا ينحنون أمام القانون لا يستحقون لقب قضاة لأن المسلَّم والمؤكد أن القاضي لا استقلالية له ولا حرية التصرف عنده، إذ أنه مجرد منفذ يطبق القاعدة القانونية مهما كان الشخص المتابع أمامه، وهامش حريته يتحدد بتحديد العقوبة ما بين الأقصى والأدنى وتقييم الحجج. أما القاعدة المسطرية أو المبدأ القانوني، فإنهما يُطبقان لزوما تحت طائلة المتابعة في حال تجاوزهما.
وكل شيء يخالف ما سطِّر أعلاه دليل على غياب إيمان راسخ بالمبادئ التي يتصارع حولها المتصارعون ويدعون الدفاع عنها في حين أنهم يستغلونها أبشع استغلال.. فكفى من الوصولية التي لا يمكن إخفاؤها وراء النفاق.
في المغرب لا يوجد قضاء مستقل في غياب قضاة يؤمنون بهذا المبدإ بل يدعون احترامه دون تطبيقه؛ فالقاضي المستقل هو القاضي الذي يطبق القانون وفق الكيفية التي فهمها وأرادها المشرِّع، ولا يسمح لنفسه بتجاوز ذلك مهما كانت السلطة التي تَأمره بتخطي القانون.