أكدت منظمة “ترانسبرانسي” أن الرشوة في المغرب لها طابع نسقي مدمر ودائمي، حيث تتميز وضعية البلد بالاستمرارية والانسياخ في منطقة الرشوة النسقية مع نتيجة بلغت 38.75 خلال السنوات الثمانية الأخيرة، وفي ترتيب البلدان في مؤشر إدراك الرشوة احتل المغرب سنة 2020 الرتبة 86 من أصل 186 بلدا.
وأشارت “ترنسبرانسي” المغرب في دراسة أجرتها بعنوان “الرشوة النسقية عامل ومؤشر للتنمية السيئة”، أنه إذا كان تطور نتيجة المغرب في مؤشر إدراك الرشوة لا يكشف تغيرا كبيرا، فإن فإن %53 من المواطنين المستجوبين سنة 2019 يرون أم مستوى الرشوة في المغرب قد تزايد.
وأوضحت المنظمة أن أغلبية المؤسسات تتميز بنسب عالية من الرشوة وذلك بفعل الطابع النسقي لهذه الأخيرة، حيث يتم الاعتراف اليوم، وعلى نطاق واسع، أن الرشوة والحكامة السيئة تشكلان أكبر العقبات التي تعترض التنمية، وذلك لتأثيرهما السلبي للغاية على الاقتصاد والمجتمع.
وأضافت ” أنه منذ سنة 1998 أعلنت الحكومات التي تعاقبت عىل كون محاربة الرشوة من الأولويات، وأخذ المغرب
على نفسه التزامات دولية، وتم إحداث هيئات وطنية لمحاربة الرشوة، لكن الرشوة تستمر في الازدهار، وفصلا عن ذلك، فإن المواطنين لا ينخدعون بصدق التزام السلطات العمومية لمحاربة الرشوة، وقد اعتبر %74 من المستجوبين أن الحكومة تقوم بعمل سيئ في مجال محاربة الرشوة”.
واعتبرت “ترانسبرانسي” المغرب أن الرشوة نتاج طبيعي لنمط حكامة غير فعالة، بسبب الإفلات من العقاب، وضعف تفعيل القوانين، وضعف المحاسبة وإفلاس العدالة، وانعدام الشفافية، مؤكدة أنه في بيئة مثل هذه فإن ممارسات الرشوة وتوزيع الامتيازات وتبادل الخدمات هي التي تنظم الفضاء العمومي أكثر مما تفعل ذلك قواعد القانون.
وشددت المنظمة على الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة تشكل أحد تجليات انعدام الإرادة السياسية، فقد أعطيت انطلاقتها في سنة 2013، وذلك عىل إثر نشر “ترانسبرانسي” المغرب رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس الحكومة، وتم اعتماد تلك الاستراتيجية في دجنبر سنة 2015، لكن لم تقم الحكومة بإصدار المرسوم المحدث للجنة الوطنية لمحاربة الرشوة إلا في سنة 2017.
وأكد “ترانسبرانسي” أن غياب فصل مختلف سلطات الدولة، والطابع الشكلي للفصل بين المجال العمومي والخاص، والطابع
التقديري للقرارات العمومية هي التي توفر الشروط المؤسساتية لعدم مسؤولية الفعل السياسي، وعدم شفافية القرار العمومي.
ولفتت إلى أن أصل السلطات في الواقع يظل متمركزا وهو فضلا عن ذلك يفلت من مبدأ أساسي للحكامة الجيدة ألا وهو تقديم الحساب، ولئن كان الدستور الجديد قد ربط بين المسؤولية والمحاسبة فإن العديد من الفصول في متن النص الدستوري قد أبطلت مفعول هذا الربط.
وأضافت ” ماتزال مأسسة السلطة لم تنته بعد لكي تشكل أساس دولة عصرية، ذلك أن الروابط بين الأشخاص هي أساس الدولة المخزنية، وذلك كله تحت أشكال مؤسسات دولة عصرية تتوفر على حكومة وبرلمان ومجالس منتخبة والعديد من المؤسسات.
وأبرزت “ترانسبرنسي” المغرب في دراستها أنه مع وجود تواطؤ للسلطة الاقتصادية مع السلطة السياسية يكون من الوهم الإفلات من تضارب المصالح، وانتظار أن تتم لعبة المنافسة بشكل حر، دون نسيان أنه في سياق دولة نيوباترميونالية يكون
من الممكن في أي لحظة تعبئة المجال العمومي لتحقيق غايات خاصة من طرف الماسكين بالسلطة.
يضاف إليها أن القوى الاجتماعية والثقافية المفترض فيها القيام بدور سلطات مضادة، تعاني من صعوبات في الاطلاع بمهامها، فالأحزاب السياسية والنقابات إما مبلقنة أو تابعة للسلطة السياسية، أما الصحافة ووسائل الإعلام فعندما تكون مستقلة حقا فإنها تواجه عراقيل تحد من هامش حركيتها.
وأشارت إلى أن السياق المؤسساتي والاقتصادي والثقافي يضع المواطنين المغاربة، الذين يعتبرون رعايا في حالة علاقة قوى غير مناسبة لهم، وهو ما يشجع على إفلات المرتشين من العقاب الذي يتقوى بفعل العمل المتواصل للإيديولوجيا السائدة التي تزرع في صفوف السكان القدرية والاستسلام والإطراء على الولاء والوفاء.
وأوضحت أن استمرارية السلطة وإعادة إنتاج النظام يتطالبان وجود آليات أخرى تضطلع فيها الرشوة بدور مهم، فإذا كانت السلطة السياسية أداة للقيام باقتطاعات من ثروة البلد من دون مقابل، فإن توزيع جزء من هذه الثروة يشكل وسيلة لاستدامة السلطة، ومن أجل التمكن من الاستفادة من ولاء ودعم النخبة الاقتصادية والسياسية والدينية، عن طريق توزيع الامتيازات والعطاءات والتسامح مع الأعمال غير القانونية ومنها الرشوة.