المغرب يكبح التوسع الإيراني في القارة الأفريقية

شكلت القارة الأفريقية دائما ملعبا مهما للقوى الإقليمية، وتجلى ذلك في مواجهات صامتة بين مجموعة من الدول بدأ يُسمع صداها، في أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية في ظل تراجع النفوذ الفرنسي، وتصاعد نفوذ روسيا والصين الذي جلب معه لاعبا جديدا هو إيران المحسوبة على هذا المحور والتي تسعى لتعزيز اختراقاتها في القارة السمراء بعدة طرق.

 

وفي سياق متصل كشف تقرير لصحيفة اتالايار الإسبانية رصدته بلبريس، أن إيران منذ فترة طويلة تسعى لتوسيع نفوذها في أفريقيا، وتعزيز وجودها في القارة من خلال انتشار المذهب الشيعي والمشاريع التجارية والاقتصادية.

 

لكن جهود طهران وطموحاتها تصطدم بالحضور التاريخي والثقافي والديني والتجاري للمغرب في إفريقيا.

 

ولهذا السبب فإن المملكة وفق المصدر ذاته، هي الدولة الإقليمية الرئيسية القادرة على مواجهة النفوذ الإيراني ووقف توسعه.

 

المغرب والامتداد الأفريقي

 

تعتبر الرباط مرجعا روحيا لمختلف الحركات الصوفية في القارة الأفريقية ، حيث يتواجد أئمتها. وعلى نحو مماثل، يعد المغرب مكان اجتماع مشترك لمختلف الزعماء السياسيين والدينيين والقبليين من مختلف أنحاء منطقة الساحل.

 

وعلى سبيل المثال، ينظم المنتدى العالمي لأعضاء الطرق الصوفية سنويا في المملكة بمشاركة 50 دولة.وترتبط العديد من الزوايا الصوفية في أفريقيا بالمراكز الصوفية في المغرب.

 

كما تعقد الزاوية التيجانية في السنغال تجمعات دينية على الطراز المغربي مما يشير إلى الارتباط الوثيق بين هذه الزوايا في إفريقيا والمغرب.

 

ويرى العديد من المحللين أن توسع الثقافة الصوفية سيجعل من الصعب التبشير بالمذهب الشيعي كحركة سياسية، وهو ما تريده إيران في أفريقيا.

 

ورغم محاولات إيران التوغل روحيا في أفريقيا غير أن المرجعية الدينية المغربية العريقة تشكل عائقا أمام توسع المذهب الشيعي الإيراني.

 

لا يمكن لإيران مجاراة المغرب على مستوى التواجد الروحي في القارة الأفريقية سواء على مستوى الإصلاحات الدينية التي قام بها، وجعلته محجا للأئمة الافارقة وأيضا نموذجا في الاعتدال الديني. أو على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، خاصة بعد عودة المغرب للاتحاد الأفريقي في يناير 2017.

روحيا، يشهد المغرب تخريج زعامات دينية أفريقية كل عام من خلال معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، والذي يشكل فرصة للمغرب لتسويق سياسته الدينية على المستوى الدولي.

كما أرسل المغرب 274 إماما وأستاذا جامعيا بمناسبة شهر رمضان الجاري، إلى 14 دولة، هي "فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وكندا والولايات المتحدة والسويد والدنمارك وبريطانيا والمجر والنرويج وأيسلندا".  بهدف المواكبة الدينية للمغتربين المغاربة.

 

من ناحية أخرى، أدت المبادرة الأطلسية في أفريقيا التي أعلنها الملك محمد السادس، وكذلك شبكة العلاقات الاقتصادية مع العديد من الدول، إلى زيادة النفوذ المغربي اقتصاديا وسياسيا، مما يضعف القوة الإيرانية ورغبتها في التوسع.

 

المبادرة الأطلسية المغربية تشمل تطوير “البنية التحتية للموانئ والسكك الحديدية” ووضعها تحت تصرف مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وهي دول غير ساحلية. علاوة على ذلك، أعلنت الدول الثلاث الأولى انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) نهاية يناير الماضي.

 

استراتيجية إيران في أفريقيا

 

زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في يوليو الماضي، كينيا وأوغندا وزيمبابوي، وهي دول أكد التوصل معها إلى اتفاقيات بشأن شؤون الطاقة، رغم أنه لم يعلن عن مشاريع واضحة، وإذا تم التوقيع على هذه الاتفاقيات، فمن الصعب تنفيذها بسبب العقوبات الأمريكية.

كما زار رئيسي الجزائر قبل أيام، وأجرى مباحثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

وجاءت زيارة الرئيس الإيراني للمشاركة في أشغال قمة المنتدى السابع للبلدان المصدرة للغاز التي احتضنتها الجزائر خلال مطلع شهر مارس الجاري.

 

وتمخضت الزيارة على اتفاقيات ومذكرات تفاهم عقب المحادثات الثنائية التي جمعت رئيسي وتبون من بينها مذكرة تفاهم بين وزارة الاتصال ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية حول التعاون في مجال الإعلام ومذكرة تفاهم حول التعاون في المجال الرياضي للفترة 2024-2025.

 

وتُقرأ زيارة الرئيس الإيراني للجزائر التي تناوئ مصالح المغرب وخاصة قضية الصحراء، على أنها رغبة من طهران في إحداث اختراق بالساحل عن طريق الجزائر التي فشلت في منافسة المبادرة الأطلسية المغربية، وتسعى جاهدة لإفشالها بكل الطرق الممكنة.

 

وهذا يسلط الضوء على كيفية محاولة إيران الدخول إلى أفريقيا، مستفيدة من الشبكات التي تمكنت من إنشائها في بعض الدول الأفريقية المهمة مثل نيجيريا، وكذلك الشبكات التي أنشأها حليفها حزب الله داخل الجالية اللبنانية في أفريقيا خاصة في ساحل العاج ونيجيريا والسنغال.

 

وتسعى طهران إلى بناء شراكات اقتصادية، مهما كانت محدودة، للبدء في تعزيز وجودها في القارة، وبعد هذا التعاون الاقتصادي، يمكن لطهران أن تستمر في التوسع من خلال إنشاء الميليشيات وتدريبها وتزويدها بالأسلحة، تمامًا كما فعلت في الشرق الأوسط مع حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن أو الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا.

 

وبالإضافة إلى التعاون الاقتصادي، وقعت طهران في أكتوبر الماضي سلسلة من اتفاقيات الشراكة مع بوركينا فاسو في مجالات الطاقة والتخطيط الحضري والتعليم العالي والبناء.

كما أعلنت طهران -التي تنتج أيضا طائرات مقاتلة بدون طيار- نهاية يناير الماضي إنشاء جامعتين في مالي، إضافة إلى توقيع سلسلة من اتفاقيات التعاون.

 

تركيا وروسيا، لاعبان رئيسيان آخران في أفريقيا

 

إن كل الخطوات التي تتخذها إيران في أفريقيا ترتكز على سياسة تتميز باللغة الثورية ومنطق العالم الثالث المناهض للإمبريالية.

 

ومع ذلك، فإن العديد من الاتفاقيات التي يوقعونها لم تكن ناجحة، ويصطدم نفوذها، في حالة غرب أو وسط أفريقيا، مع تركيا، وهي دولة أخرى ضاعفت وجودها في القارة.

قامت أنقرة بإدارة طائرات مقاتلة ومروحيات لدول مثل مالي أو بوركينا فاسو من أجل محاربة الجماعات الإرهابية، ووضعت نفسها كبديل لأوروبا وروسيا، وهي دولة أخرى تتوسع في المنطقة مستفيدة من تراجع النفوذ الفرنسي هناك.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.