فجوة التواصل تتسع: غياب الوزراء عن البرلمان يطرح أسئلة حول علاقة الحكومة بالرأي العام
لم يكن غياب ستة وزراء دفعة واحدة عن أول جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب بعد افتتاح الدورة الربيعية مجرد حدث عابر، بل جاء ليجدد وبقوة النقاش حول معضلة التواصل التي تعاني منها حكومة عزيز أخنوش، وعلاقتها المتوترة أحيانًا بالمؤسسة التشريعية ودورها الرقابي.
هذا الغياب الجماعي، الذي أثار استغراب واستياء نواب الأغلبية والمعارضة على حد سواء، يطرح تساؤلات أعمق حول ما إذا كان الأمر مجرد صدفة غير موفقة، أم أنه يعكس تخطيطاً سياسياً أو على الأقل نهجاً حكومياً يميل إلى تفادي المواجهة البرلمانية المباشرة.
تُفسّر فرق المعارضة هذا الغياب، ووصفته بـ"الاستهتار" و"التهرب الحكومي"، على أنه محاولة لإفراغ المؤسسة التشريعية من جوهر دورها الرقابي، وتحويلها إلى منصة للخطابات البروتوكولية أكثر منها فضاء للمساءلة والمحاسبة الفعلية. المطالبة الرمزية بتركيب كاميرات لرصد حضور الوزراء، على غرار النواب، تعكس حجم الإحباط والشعور بأن الحكومة لا تولي الأهمية الكافية للمثول أمام ممثلي الأمة، مفضلةً، كما يشير التحليل، إدارة الشأن العام من المكاتب المغلقة أو استعراض "إنجازاتها الضعيفة" في منتديات دولية وأمام وسائل إعلام أجنبية.
لكن الأهم من مجرد الغياب، هو ما يكشفه هذا السلوك عن أزمة التواصل المتجذرة التي تعاني منها الحكومة.
ففي الوقت الذي كان يُنتظر فيه "إنزال" حكومي لشرح السياسات والإجابة عن انشغالات المواطنين عبر نوابهم، يأتي الغياب ليعزز الصورة القائمة عن حكومة تعاني من ضعف في تواصلها مع الرأي العام، وهو ضعف يعزوه البعض إلى هيمنة الوزراء ذوي الخلفية التكنوقراطية على حساب الوزراء السياسيين القادرين على التفاعل والتجاوب مع الديناميات السياسية والمجتمعية.
المفارقة الصارخة تكمن في الاعتراف الصريح، حتى من داخل الحكومة نفسها على لسان وزير العدل عبد اللطيف وهبي في وقت سابق، بوجود "إنجازات حكومية هائلة" وجهود كبيرة تُبذل (مثل المخصصات الضخمة للتعليم، المقاصة، دعم الأعلاف، مياه الشرب، تدبير زلزال الحوز، الدعم الاجتماعي المباشر)، يقابلها "فشل ذريع في تسويقها" للرأي العام.
هذا الاعتراف يضع الإصبع على الجرح: الحكومة قد تعمل، لكنها تفشل في إقناع المواطنين بعملها أو حتى إخبارهم به بشكل فعال. السؤال الذي طرحه الوزير "هل نحن فاشلون في تسويق كل هذا للرأي العام؟" يحمل في طياته إقراراً بهذه المعضلة.
إذن، غياب الوزراء عن الجلسة الافتتاحية الهامة ليس حدثاً معزولاً، بل هو عرض لأزمة أعمق تتعلق بغياب التواصل المؤسساتي الفعال، وضعف القدرة على التسويق السياسي للإنجازات، وربما تفضيل للعمل التقني في الظل على التفاعل السياسي في العلن.
هذه الأزمة لا تضعف موقف الحكومة أمام الرأي العام فحسب، بل تهدد أيضاً بتقويض الدور الدستوري للبرلمان كسلطة رقابية، وتزيد من الفجوة بين صانعي القرار والمواطنين الذين ينتظرون أجوبة وحلولاً لمشاكلهم، حلولا لا تقبل التأجيل أو التأويل.
إن الحاجة إلى تواصل مؤسساتي فعال وتسويق جيد للإنجازات ليست ترفاً، بل هي ضرورة لبناء الثقة وتحقيق الأثر الإيجابي المنشود في الرأي العام ، وقد كانت بلبريس سباقة إلى إثارة هذه المعضلة بأكثر من مقال منذ سنوات.