كيف تخلّت مصر عن تبون في خطته لدعم البوليساريو؟

على هامش منتدى الشراكة العربية-الإفريقية المنعقد بالقاهرة، برزت مؤشرات لافتة على تحوّل عملي في تعاطي مصر مع ملف الصحراء المغربية، بعدما اختارت تحييد النزاع بشكل كامل عن لقاءات مسؤوليها مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في خطوة قرأها متابعون باعتبارها ابتعادا محسوبا عن دعم الأطروحات الانفصالية، ورسالة سياسية غير مباشرة إلى حاضنتها الإقليمية الجزائر.

فقد خلا اللقاء الذي جمع عطاف بنظيره المصري بدر عبد العاطي من أي إشارة إلى النزاع، رغم انعقاده على الأراضي المصرية، وهو ما عكس توجها مصريا متزايدا نحو النأي بالنفس عن صراعات إقليمية لا تخدم أولويات القاهرة الاستراتيجية داخل إفريقيا والعالم العربي.

ويأتي هذا الموقف في سياق إقليمي ودولي متغير، تدرك فيه مصر كلفة الاصطفاف إلى جانب مشاريع انفصالية فقدت الكثير من زخمها داخل القارة الإفريقية، مقابل تنامي المقاربة التي تضع الاستقرار واحترام سيادة الدول وتعزيز الشراكات الاقتصادية في صدارة الاهتمام.

امتناع مصري على مجاراة الجزائر

كما يعكس هذا الاختيار حرص القاهرة على الحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية، وتفادي الدخول في صدامات دبلوماسية غير ضرورية، خاصة مع دول محورية داخل القارة، في وقت تتجه فيه العواصم المؤثرة إلى الفصل بين أجندات التنمية والنزاعات ذات الطبيعة الانقسامية.

وفي هذا السياق، اعتبر مراقبون أن امتناع مصر عن مجاراة الطرح الجزائري مؤشر على تراجع قدرة الجزائر على حشد دعم عربي وإفريقي واسع لأطروحتها بشأن الصحراء، بعدما باتت العديد من الدول تتعامل مع الملف باعتباره عبئا سياسيا يعرقل التعاون القاري أكثر من كونه قضية قابلة للتوظيف داخل المحافل متعددة الأطراف.

ويكتسي هذا الموقف دلالة خاصة لكونه صادرا عن دولة مركزية في النظامين العربي والإفريقي، ما يمنحه بعدا رمزيا يتجاوز حدود المنتدى نفسه، ويعكس إدراكا متقدما بضرورة إعادة ترتيب الأولويات وفق منطق المصلحة والاستقرار.

وفي قراءة تحليلية لهذا التطور، أوضحت أمال بنبراهيم، أستاذة العلاقات الدولية بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة ابن طفيل، أن التموضع المصري تجاه ملف الصحراء لا يمكن فصله عن التحولات التي مست النظامين الإقليمي والدولي، معتبرة أن تحييد القاهرة للنزاع يشكل لحظة كاشفة في مسار إعادة تعريف معنى “المصلحة” داخل الفضاءين العربي والإفريقي.

وأبرزت بنبراهيم أن هذا الاختيار يعبر عن انتقال من الاصطفاف الإيديولوجي الرمزي إلى منطق التدبير الهادئ، حيث لا يقاس الموقف بما يقال صراحة، بل بما يُستبعد عمدا من فضاء القول، ليغدو الصمت ممارسة سياسية واعية، ويصبح تغييب الملف عن المحادثات فعلا دلاليا يعكس إدراكا بأن النزاعات الانقسامية لم تعد العملة المتداولة في سياق إقليمي يتطلع إلى الاستقرار بدل إنتاج خطاب الاستقطاب.

عقلانية متقدمة في التعاطي مع مآلات الشرعية الدولية

وأضافت المتحدثة أن هذا التوجه لا ينفصل عن التطورات البنيوية التي مست مقاربة الشرعية الدولية للنزاع، خاصة في أعقاب القرار الأممي 2797، الذي أعاد ترتيب القيم السياسية للحل من خلال التركيز على الواقعية والاستدامة والتوافق العملي.

واعتبرت بنبراهيم، أن الموقف المصري يجسد عقلانية متقدمة في التعاطي مع مآلات الشرعية الدولية، وتعبيرا واضحا عن النأي عن الانحياز، ضمن ما تصفه أدبيات العلاقات الدولية بـ“الحياد الوظيفي”، حيث تختار الدولة تقليص انخراطها في نزاعات لا تمس أمنها المباشر مع الحفاظ على مكانتها الرمزية داخل الإقليم.

وخلصت أمال بنبراهيم إلى أن هذا التحول العملي، وإن لم يُعلن في صيغة موقف رسمي مباشر، يعكس اتجاها متناميا يعيد رسم خريطة الاصطفافات داخل القارة الإفريقية، مسار تتراجع في ظله قدرة خصوم الوحدة الترابية على تسويق أطروحة الانفصال خارج دائرة ضيقة من الحلفاء التقليديين، مقابل تنامي توجه لدى دول وازنة، وفي مقدمتها مصر، نحو اعتماد مقاربة براغماتية أكثر اتساقا مع تحولات المرحلة، تقوم على تحييد النزاع وفصله عن أجندات التعاون القاري، والانخراط في شراكات ترتكز على الاستقرار واحترام السيادة الوطنية وتوازن المصالح المتبادلة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *