عندما يستقبل المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، نظيره رئيس جهاز الاستخبارات الإماراتي، علي عبيد الظاهري، في الرباط، فإن الحدث يتجاوز كونه مجرد زيارة عمل روتينية.
ورغم أن البلاغات الرسمية تتحدث بلغة دبلوماسية عن "تعزيز التعاون وتبادل المعلومات لمواجهة التحديات الإرهابية في الساحل والصحراء"، فإن قراءة ما بين السطور تكشف عن عمق استراتيجي متعدد الأبعاد لهذا التحالف، وهو ما أكده المحلل السياسي محمد بوخبزة في تصريح لـ"بلبريس" بالقول إن "ما لا يقال غالباً أهم مما يقال".
البعد العملياتي: من الإرهاب التقليدي إلى الأمن السيبراني
على المستوى العملياتي، يشكل التنسيق الأمني الدائم في ملفات محاربة الإرهاب والتطرف حجر الزاوية في هذه الشراكة، كما أوضح بوخبزة، فإن الأجندة اليوم تتوسع لتشمل بقوة ملف "الأمن السيبراني"، الذي بات يشكل تهديداً استراتيجياً بعد الهجمات الخطيرة التي تعرض لها المغرب مؤخرا، وبالتالي، فإن تطوير آليات العمل وتبادل الخبرات في هذا المجال لم يعد ترفاً، بل ضرورة ملحة.
البعد الاستراتيجي: الصحراء المغربية والتحولات الإقليمية
تستند هذه الشراكة الأمنية إلى ركائز استراتيجية صلبة، أبرزها قضية الصحراء المغربية. فالمغرب، في سياق سعيه لتأمين وحدته الترابية، يعتمد على دعم حلفاء موثوقين، وتعتبر الإمارات شريكا رئيسيا في هذا الصدد، وهو الدعم الذي لم يقتصر على المواقف السياسية، بل تجسد ماديا بفتح قنصلية في مدينة العيون.
هذا التحالف، وفق تحليل بوخبزة، يكتسب أهمية مضاعفة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، حيث أصبحت المنطقة "قطب تجاذب لقوى إقليمية متعددة مثل تركيا وقطر وإيران". ويفرض هذا الواقع على المغرب والإمارات تنسيقاً استراتيجياً لمواجهة هذه التحديات، خاصة في ظل العلاقة التي تربط إيران بالجزائر، والتي ينظر إليها بعين القلق من طرف البلدين.
طموح السيادة الأمنية: الصناعة العسكرية كأفق جديد
لا يمكن فصل هذه الزيارة عن سعي المغرب الحثيث لفرض "سيادته الأمنية" وتطوير قدراته الدفاعية، وهو ما شدد عليه بوخبزة ف حديثه مع بلبريس.
هذا الطموح يتجلى في تطوير الصناعة العسكرية المحلية، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة (الدرون). ويعد هذا التوجه الاستراتيجي بحاجة ماسة إلى شركاء موثوقين ومتقدمين تكنولوجياً كالإمارات، ليس فقط للدعم السياسي، بل لفتح آفاق للشراكة الصناعية والتقنية.
في المحصلة، فإن مباحثات حموشي والظاهري، وإن كانت تتناول ظاهريا التهديدات الأمنية المباشرة، إلا أنها في جوهرها تعيد تأكيد وتعميق تحالف استراتيجي مصمم لمواجهة بيئة إقليمية ودولية معقدة، وتخدم مصالح استراتيجية بعيدة المدى لكلا البلدين.