يوميات أستاذ من درجة ضابط..قدوم قطار الوضعيات المهنية

قطار الوضعيات المهنيـة .. قـدم غضون شهر أبريل بعـد طول انتظـار .. حضــوره في اللحظات الأخيــرة جاء لإنقــاذ موسم إستثنائي بامتيــاز.. كان بمثابـة جــرس الإنــذار الذي أوقــف عنــوة مارطون الرمال الذي طالمـا دارت أطواره كل يــوم في مضمــار القاعة الزرقــاء .. تم إيجاد الحل أو المخرج في حي مولاي عبدالله بعيدا عن المؤسسات التطبيقية بالجديدة ، وهذا، كان يعني أن المشكل لم يحل مع الأساتذة المرشدين .. وأن الهروب إلى جماعة مولاي عبدالله كان من أجل حفظا لماء وجه الشعبــة التي تعتبر شعبة رائدة بمركز الجديدة ، ولإنقاذ موسم تكويني من الفشل الذريـــع خاصة وأن جميع الشعب انخرطت في الوضعيات المهنية إلا شعبة التاريخ والجغرافيا بمسلك الثانوي التأهيلي .. وقد كان يبدو أن الحل لم يكن حلا رسميا، بقـدر ما كان حلا وديـا لعبت فيه العلاقات الخاصة دورا كبيرا ..

 المهم أنه وبعيدا عن ظروف وكواليس الحل المتوصل إليه بحي مولاي عبدالله مع بعض الأساتذة الذين لبسوا ثوب الإرشاد لأول مـرة في مسارهم المهني .. فقد توقف كل شـئ في لمحـة بصــر .. بعدما جاء الغيث من "مولاي عبدالله" ضواحي الجديــدة  وكان ذلك غضون شهــر أبريل في وقت إنتهت فيـــه دروس المجزوءة الأولى ..كان الأستاذ المكون " حربي " في أحلى أيامه وعلامــات الرضى والإرتياح بادية على محياه وكأنه حــقق نصرا كاسحا بعد طــول انتظــار .. قــدم عبر جهاز "الدتاشاو" كـل الشروحات المتعلقة بالوضعيــــات وما يتعيـــن على الأستاذ المتــدرب القيام بـــه في كل محطــة من المحطات ،   كانت بالنسبة لسليم لحظة مفصلية ، ليس فقط لأنها كانت إيذانا بالإنخراط في الوضعيات المهنية التي كانت تبدو إلى وقت قريب دربا من دروب المحال ، ولكن أيضا من أجل الإبتعاد عن رثابة القاعة الزرقاء ، والإستئناس بواقع الممارسة الفصلية بعيدا عن يوميات "الداتاشاو" داخل القاعة الزرقاء ، والأهم من هذا وذاك فك "عقدة" هذه الوضعيات المهنية التي لازمت الجميع على إمتداد موسم إستثنائي ..والتي صورت من طرف المكونين بالمسبح (لابيسين) الذي يحمل بين ثناياه مشاكل وصعوبات جمة ..

 الأستاذ "حربي" في ظل تلك اللحظة الاستثنائية، حرص على كل التفاصيل والجزئيات ولم يترك أي شي للصدفـة ..قسم بشكل مسبق مجموعة "الأربعة والخمسين" إلى مجموعات صغرى توزعت على التوالي بين "ثانوية الإمام مسلم الإعدادية" و"ثانوية مولاي عبدالله التأهيلية"، مما كان يعني أن بعض المجموعات ستباشر تداريبها التطبيقية بالسلك الاعدادي والأخرى بالسلك الثانوي التأهيلي، في الوقت الذي كانت تتواجد فيه ثانوية أخرى بحي مولاي عبدالله لم ينخرط أساتذتها(أساتذة التاريخ والجغرافيا) في هذه العملية، ويتعلق الأمر بثانوية "شوقي" التأهيلية .. وعموما ومهما يكن من أمر، فقد انتهت الحصة الصباحية في حدود منتصف النهار، بعدما قدم الأستاذ "حربي" باسهاب كل ما يتعلق بهذه التداريب الميدانية التي تقرر أن تكون بشكل مغلق (سطاج بلوكي) لمدة أربعة أسابيع حتى يستفيذ المتدربون أقصى ما يمكن ، وقد طلب وقتها من كل مجموعة أن تربط الاتصال بمؤسسة التطبيق الخاصة بها في حدود الساعة الثانية والنصف بعد الزوال ..

وربحا للوقت فقد هرول "سليم" و"سليمان" كعادتهما الى حي السعادة، حيث تناولا وجبة الغداء ، وعادا للتو إلى الغرفة حيث أعدا العـدة وغادرا المركز نحو طريق سيدي بوزيد ، وهناك غادرا على متن سيارة طاكسي أجــرة كبيرة في اتجاه مولاي عبدالله ، وجهتهما كانت نحو الثانوية الإعــدادية الإمام مسلم ، وهناك التقيا بباقي أعضاء المجموعة كل من الأساتذة المتدربين "حلمي"، "سعدان"،" توفيق" ، "خديجة" ، كما تم اللقاء بزملاء المجموعتين الثانية والثالثة، خيم على "سليم" وقتها وهو محفوف بالسلطان "سليمان" إحساس خاص، جعله يدرك أن المجال الحيوي للأستاذ هو "المؤسسة " وبتحديد أدق هو "القسم"، في تلك الأثنــاء تــم ربط الاتصـــال المباشر أول الأمر بالسيد مدير المؤسسة الذي رحـب بالأساتذة المتدربين بقاعة الأساتذة ، كان إنسانا لطيفا ومتواضعا للغاية يبدو من خلال لكنته أنه ينحدر من الجنوب ، طبعــا فقد بــدا من خلال تبـادل أطراف الحديث معـه أنه لم تكن لـديه أية فكـرة واضحة المعالم بخصوص موضوع الأساتذة المتدربين ، وقد كان لذلك ما يبــرره في غياب الطابع الرسمي للعملية ككل ، كنـا ننتظر قـدوم الأستاذ المكون "حربي" حتى يوضـح الرؤيـة، لكن وبعد مضــي حوالي ربع ساعة تم تلقي إتصالات هاتفية من بعض الزملاء المعينين بثانوية مولاي عبدالله التأهيلية، تفيذ بضــرورة الإنتقال أولا إلى مقر الثانويـــة من أجل حضور إجتماع في الموضوع .

أمام هذا الإرتباك لم يجد "سليم" وزملاؤه بـدا من مغادرة قاعة الأساتذة في أفق الإنتقال إلى مقر الثانوية التي تبعد بحوالي نصف ساعة مشيا على الأقدام ، ما أن تم الخروج الى الىباب ،حتى قــدم الأستاذ المكون " حربي" على مثن سيارة للنقل المدرسي ، كان يبدو كالبطل المغوار العائد من إنتصار كاسـح ..كان متحمسا كعادته وكأنه عريس يحضر بدقة وثبات لحفلة زفافـــه، ركـب الجميع متن السيارة وتمت المغادرة إلى ثانوية مولاي عبدالله ، كان "حربي" مرفوقا بشخص، تبين فيما بعـد أنه ناظر الثانوية المعنيــة ..، بعـد مضي حوالي عشر دقائق تم الوصول إلى مقر المؤسسة ، حيث تم تخصيص إستقبال رسمي للمتدربين بالمقصف حضره كل من مدير المركز بالنيابة والأستاذين المكونيــن "رمزي " و"حربــي" ومدير الثانوية والحارس العـــام وبعض الأساتذة .. وبعد كلمات شكر وترحاب ، خصصت جلسة شــاي احتفاء بالحاضرين ، وعقبها ، ربطت كل مجموعــة الإتصال المباشر بالأستاذ المرشد الذي ستشتغل معــه من أجل التعارف الأولي والإطلاع على إستعمال الزمن الخاص به وأخذ فكرة على المستويات التي يدرسهـا .. وبذلك إنتهى اليـوم ، على أساس أن تلتحــق كل مجموعـــة بمؤسسة التطبيق الخاصة بهــا خلال اليوم الموالي ... لكن ومن ضمن ما احتفظ به "سليم" في سياق ذاك الاجتماع هو كلمة غير رسمية لناظر المؤسسة وجهها للمتدربين استعراضا للتجربة التي راكمها في مجال التدريس، من ضمن ما أشار إليه هو أن نسبة كبيرة من التلاميذ ينحدرون من أوساط فقيرة ، وأن نسبة منهم من آباء مجهولين، كما أشار إلى أن المنطقة التي تشتهر بموسم "مولاي عبدالله أمغار" معروفة بالدعارة ..لم يدع"سليم" الفرصة تمر دون أن يتناقش و"سليمان" في الموضوع ، خرجا معا بخلاصة مفادها أن المدرس لابد أن يكون ملما بجزئيات وتفاصيل الوسط الذي يشتغل به على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والجغرافية وغيرهــا ، وأن يسخر كل هذه المعطيات في فهم "المتعلمين" وما قد يصدر عنهم من سلوكات ، كما أن الإلمام بهكذا معطيات من شأنه أن يساعد المدرس على تشخيص مظاهر التعثر لذى هؤلاء المتعلمين وتفعيل مبدأ "الفارقية" وفق رؤية واضحة وواعية ودقيقة ، وكل هذا من أجل عملية تعليمية تعلمية فاعلة وناجعة ...