تتّجه الأنظار مساء اليوم السبت إلى العاصمة المصرية القاهرة، التي تحتضن قمة كأس السوبر الإفريقي لكرة القدم بين بيراميدز المصري، بطل دوري أبطال إفريقيا، ونهضة بركان المغربي، المتوَّج بكأس الكونفدرالية الإفريقية.
مباراة لا تُجسّد فقط صراع الألقاب بين بطلين، بل تعبّر أيضًا عن مواجهة بين مشروعين كرويين متناقضين في النشأة والطموح: مشروع مصري حديث يسعى لترسيخ مكانته في القارة، وآخر مغربي واثق من تجربته القارية وخبرته الطويلة في النهائيات.
بيراميدز.. من الحلم المحلي إلى قمة القارة
في أقل من عقدين، تحوّل نادي بيراميدز من فكرة طموحة في صعيد مصر إلى قوة كروية إفريقية صاعدة. تأسس النادي عام 2008 تحت اسم “الأسيوطي سبورت”، قبل أن يشهد تحولاً جذريًا في عام 2018 حين نُقل إلى القاهرة وأعيدت تسميته إلى “بيراميدز إف سي”، ليبدأ فصل جديد في تاريخه المدعوم باستثمارات ضخمة ورؤية احترافية واضحة.
منذ ذلك التاريخ، تغيّر كل شيء: الإدارة، البنية التحتية، التعاقدات، والعقلية. وبخطوات محسوبة، نجح بيراميدز في الوصول إلى نهائي كأس الكونفدرالية سنة 2020، قبل أن يحقق حلمه الأكبر في 2024 بالتتويج بكأس مصر، ثم يُتوج بطلاً لإفريقيا في 2025 بعد فوزه المثير على ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي (3 – 2) في النهائي، ليصعد إلى القمة القارية من أوسع الأبواب.
على أرضية ملعبه “30 يونيو”، حيث تُقام مباراة السوبر، سيخوض الفريق أول اختبار له في هذه البطولة، بقيادة مدربه الكرواتي كرونوسلاف يورتشيش، الذي نجح في تشكيل منظومة تكتيكية صارمة تعتمد على خطة 4-2-3-1، توازن بين الانضباط الدفاعي والضغط الانتقائي والسرعة في التحولات.
يعتمد بيراميدز على حارس خبرة هو أحمد الشناوي، وعلى ثنائي دفاعي صلب مكوّن من أحمد سامي وأسامة جلال، مع حضور مغربي مميز يتمثل في الظهير محمد الشيبي، الذي أصبح أحد ركائز الفريق.
في الوسط، يشكل مهند لاشين ووليد الكرتي محور التوازن والربط، بينما يقود رمضان صبحي ومصطفى فتحي الجبهات الهجومية. ويبقى الكونغولي فيستون مايلي هو السلاح الأبرز بفضل حسه التهديفي العالي وتمركزه الذكي داخل منطقة العمليات.
نهضة بركان.. خبرة النهائيات وسحر الهوية
في الجهة المقابلة، يأتي نهضة بركان من مدينة بركان شرق المغرب، تلك المدينة التي تحمل في جذورها روح الكفاح والالتزام، كما تحمل شهرتها الزراعية في إنتاج الحمضيات إلى المستطيل الأخضر في صورة فريق منظم وشجاع.
تأسس النادي في سبعينيات القرن الماضي، لكنه انفجر قارياً في العقد الأخير، مستفيداً من استقرار إداري ورؤية واضحة.
نهضة بركان هو اليوم أحد أكثر الأندية الإفريقية انتظاماً في الظهور القاري، وقد صعد بثبات من مرحلة التجارب إلى مرحلة الهيمنة: بطل الكونفدرالية 2020، و2022، و2024، ليصبح فريقاً متخصصاً في حصد الكؤوس القارية، وبات يمتلك خبرة لا تضاهى في مباريات النهائيات.
يقوده المدرب التونسي معين الشعباني، الرجل الذي صنع لنفسه اسماً لامعاً في الكرة الإفريقية منذ تتويجه المزدوج مع الترجي التونسي في دوري الأبطال، ثم نجاحه في إعادة بريق “الفريق البرتقالي”.
نهضة بركان يراهن على صلابة دفاعه وتنظيمه الحديدي، وعلى سرعة الانتقال من الدفاع إلى الهجوم عبر الأطراف، حيث يتألق يوسف مهري، فيما تشكل الكرات الثابتة بفضل إسماعيل قندوس مصدر خطورة دائم.
ورغم غياب المهاجم القوي أسامة المليوي بداعي الإصابة، يملك الشعباني بدائل هجومية مرنة من بينها الكونغولي بول باسين، القادر على زعزعة أي دفاع بخبرته وتمركزه الذكي.
مواجهة بين فلسفتين
السوبر الإفريقي في القاهرة ليس مجرد مباراة، بل صدام بين مدرستين:
بيراميدز، فريق حديث العهد يعتمد على القوة المالية والتنظيم الأوروبي، يسعى لكتابة تاريخه بسطور من ذهب.
ونهضة بركان، فريق مغربي عريق في التجربة القارية، يملك هوية إفريقية خالصة وخبرة في التفاصيل الدقيقة لمباريات الكؤوس.
بيراميدز يدخل المباراة بحثاً عن تتويج جديد يؤكد أن صعوده إلى القمة لم يكن صدفة، بينما يرى نهضة بركان في هذه المواجهة فرصة لفرض هيمنته على المشهد القاري، وتأكيد أنه “ملك النهائيات” بلا منازع.
بين مشروع مصري يحلم بالاستمرار، وتجربة مغربية تسعى لترسيخ التاريخ، تعد القاهرة الليلة بمواجهة من نار قد تُكتب تفاصيلها في سجلات الكاف كإحدى أكثر نسخ السوبر توازناً وغموضاً في السنوات الأخيرة.