كشفت دراسة سوسيولوجية حديثة واقعًا معقدًا وهشًا يعيشه العاملون في قطاع المقاهي والمطاعم بمدينة القنيطرة المغربية، حيث تتداخل ثلاثة أبعاد رئيسية لصنع “الهشاشة المهنية”: غياب الإطار القانوني والحماية الاجتماعية، التفاوتات الطبقية والجندرية، ثم التهديدات الحديثة المرتبطة بالرقمنة وتغير المناخ.
الدراسة، التي جاءت بعنوان: “صعوبات الاندماج المهني للعمال في المشاريع الصغرى”، ونشرت في العدد الجديد من مجلة “الباحث للدراسات والأبحاث العلمية”، أنجزها الدكتور محمد لعويد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل، واعتمد فيها على منهج تركيبي يجمع بين المعطيات الكمية والنوعية، من خلال استبيان شمل 250 عاملاً، و45 مقابلة معمقة، إلى جانب ملاحظات ميدانية طويلة الأمد.
وأوضحت النتائج أن الهشاشة المهنية في هذا القطاع ليست مجرد حالة عابرة، بل بنية مستمرة تُدار لصالح اقتصاد هجين تتعايش فيه الممارسات الرسمية مع غير الرسمية. فـ82% من العاملين لا يتوفرون على عقود عمل، ويعتمدون على اتفاقيات شفهية غير مضمونة، فيما يظل 86% من الوحدات الاقتصادية خارج التغطية القانونية، حسب معطيات بنك المغرب لسنة 2024.
أما أرباب العمل، فإن 96% منهم يشتكون من منافسة غير مشروعة، في وقت تلتهم فيه الضرائب نحو 45% من أرباح المشاريع الصغرى، ما يعيق تحسين شروط العمل وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية.
وعلى المستوى الجندري، أظهرت الدراسة أن النساء يشغلن 72% من الوظائف الأقل أجرًا (خدمة، نظافة)، مقابل هيمنة الرجال على المهام الإدارية بنسبة 85%. كما تعرضت 38% من العاملات للتحرش الجنسي أو الرمزي، وتبلغ فجوة الأجور بين الجنسين 22% حتى في المهام المتماثلة، ما يعكس “العنف الرمزي” الذي تحدّث عنه بورديو في تحليله للأدوار النمطية.
الرقمنة بدورها تحولت إلى أداة إقصاء، إذ لا يستطيع 68% من العاملين استخدام تطبيقات التوصيل مثل Glovo، رغم أن 45% من المقاهي تبنتها. وفي السياق نفسه، تسببت الظروف المناخية، خصوصًا الجفاف وارتفاع أسعار المواد الغذائية، في خسائر لـ80% من المؤسسات.
الدراسة خلصت إلى ضرورة تبسيط النظام الضريبي، وهيكلة الاقتصاد غير المهيكل بمنح تراخيص مجانية لثلاث سنوات، وربطها بالتغطية الصحية والاجتماعية. كما دعت إلى تغريم المؤسسات التي تتهاون في مكافحة التحرش، ودعم المشاريع النسائية بقروض منخفضة الفائدة (1%).
ولمواجهة التحديات الرقمية والمناخية، توصي الدراسة بإنشاء مراكز تكوين مجانية للتحول الرقمي والممارسات البيئية، وصندوق طوارئ خاص بالجفاف، إلى جانب اعتماد الطاقة الشمسية ونظام إنذار مبكر لتقلبات الأسعار، وإصدار شهادات “خضراء” للمقاولات الملتزمة.
بهذا، تضع الدراسة خريطة طريق شاملة لفهم آليات الهشاشة في قطاع حيوي، وتفتح المجال لنقاش عمومي حول حقوق العمال وعدالة توزيع الثروات في الاقتصاد المحلي.