تسلط الأنظار على الأغلبية الحكومية التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار، بعدما وجهت جريدة العلم، لسان حال حزب الاستقلال، انتقادا شديدا لما اعتبرته تضاربا صارخا في الأرقام الرسمية المتعلقة بالإحصاء الوطني للماشية خلال الفترة ما بين فبراير وغشت من السنة الجارية.
ففي مقال وقعه القيادي الاستقلالي عبد الله البقالي تحت عنوان “أسئلة حارقة فجرها الإحصاء الوطني للماشية”، نشر في الصفحة الأولى للجريدة نهاية الأسبوع المنصرم، توقف عند ما وصفه بالتناقضات الواضحة بين الأرقام التي قدمتها وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وتلك التي خلص إليها الإحصاء الذي أشرفت عليه مصالح وزارة الداخلية.
وأشار البقالي إلى أن الإحصاء الأخير أظهر ارتفاعا في أعداد رؤوس الماشية إلى حوالي 39 مليون رأس من الأغنام والماعز والأبقار والإبل، في وقت أعلن وزير الفلاحة في فبراير الماضي أن القطيع سجل تراجعا مهولا بنسبة 38 في المائة مقارنة بالإحصاءات السابقة. كما ذكر بتصريح وزير سابق في يوليوز 2024 أكد فيه أن العدد بلغ 24 مليون رأس وأن الوضع كان مستقرا، وهو ما يطرح، حسب قوله، علامات استفهام كبرى حول دقة هذه الأرقام وتقلبها.
وتساءل الكاتب عن كيفية تفسير هذا التباين بين التصريحات الرسمية، إذ كيف يمكن لوزير أن يؤكد الاستقرار، ثم يأتي آخر بعد أقل من ستة أشهر ليتحدث عن تراجع حاد، قبل أن يكشف الإحصاء الوطني عن ارتفاع مفاجئ وصل إلى نحو 39 مليون رأس، بعدما لم يتجاوز العدد المعلن قبل أشهر 18 مليونا فقط.
وأبرز أن الوزارة عزت هذا النمو اللافت إلى التدابير الحكومية مثل دعم الأعلاف والتعويضات وحملات التلقيح واستيراد الأبقار للتوليد، غير أنه اعتبر هذه المبررات غير مقنعة، لأن نسبة الارتفاع التي قُدرت بحوالي 90 في المائة خلال مدة وجيزة لا يمكن أن تتحقق بالتكاثر الطبيعي أو حتى عبر التدابير الاستثنائية.
وانتقد البقالي ما اعتبره ارتجالا في الإحصاءات السابقة، مؤكدا أن العملية التي أعلنت عنها الوزارة في فبراير لم تكن دقيقة ولا صادقة، وأن الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز لم تكن مؤهلة تقنيا ولوجستيا لإنجاز مهمة بهذا الحجم.
كما أشار إلى أن بعض المربين لجأوا إلى تضخيم أعداد رؤوس ماشيتهم للاستفادة من الدعم المباشر، وهو ما انعكس على مصداقية الأرقام المعلنة.
وأكد أن الإحصاء الجديد يثير إشكالات عدة، في مقدمتها احتمال خدمة مصالح فئات بعينها على حساب المربين الصغار والمتوسطين الذين يحتاجون فعلا إلى الدعم، بينما يستفيد كبار المربين من الامتيازات رغم عدم التزامهم بالقواعد.
ودعا إلى إعادة النظر في علاقة الحكومة بالجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز، مشددا على أن هذا التنظيم لا يمثل كل المربين، وقد يستغل وضعه للحصول على امتيازات خاصة، الأمر الذي يفرض تعزيز الشفافية وضمان العدالة في التعامل مع مختلف الفئات، حتى لا تتحول الإحصاءات إلى وسيلة لتكريس مصالح ضيقة بعيدا عن المصلحة العامة.