أحيل، يوم الاثنين الماضي، على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، مقترح قانون يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام من المنظومة الجنائية، تقدّمت به النائبة البرلمانية فاطمة التامني عن “فدرالية اليسار الديمقراطي”، في خطوة وصفت بـ”الاختبار الحقيقي” لالتزام الدولة المعلن بحقوق الإنسان.
المقترح يستند في ديباجته إلى الفصل 20 من الدستور الذي ينص على أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق”، ويؤكد انسجامه مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وباقي المواثيق الدولية. واعتبرت التامني أن استمرار وجود هذه العقوبة يشكّل مفارقة تشريعية صارخة، خصوصاً بعد تصويت المغرب لأول مرة، في دجنبر 2024، لصالح قرار أممي يدعو إلى وقف عالمي لتنفيذ الإعدام.
ورغم أهمية هذا التصويت، ترى “فدرالية اليسار” أنه يظل موقفاً مبدئياً لا يكتمل إلا بإجراء تغييرات جوهرية على التشريعات الوطنية، منتقدة ما وصفته بـ”التناقض الصارخ” بين الالتزامات الدولية للمغرب وواقعه القانوني. وشددت على أن عقوبة الإعدام تُعد انتهاكاً نهائياً للحق في الحياة، وتحرم المتهم من أي فرصة لتدارك الأخطاء القضائية، التي أثبتت التجارب العالمية أنها ليست مجرد فرضيات، بل وقائع دامغة.
وأكدت التامني أن إلغاء هذه العقوبة لا يعني التساهل مع الجريمة، بل يُعد خطوة حضارية ترتقي بمنظومة العدالة وتنسجم مع تطور المجتمعات، لكنها تحتاج إلى “إرادة سياسية وشجاعة تاريخية”، بدل الاكتفاء بإدارة الوضع الراهن.
في المقترح المودع، تطالب النائبة باستبدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد مع الأشغال والخدمات الاجتماعية، سواء في الجرائم الجنائية كالقتل العمد المنصوص عليها في الفصلين 393 و396، أو تلك المتعلقة بالاعتداء على الأسرة الملكية (الفصول 163، 165، 167) أو جرائم الخيانة والتجسس والمس بأمن الدولة (الفصول من 181 إلى 203).
ويسعى المقترح إلى تعديل 23 فصلاً من مجموعة القانون الجنائي، مؤكداً أن حماية الدولة لا تتطلب المساس بالحق في الحياة، بل يمكن أن تتحقق من خلال عقوبات رادعة وعادلة، تضمن التوازن بين الأمن وضمانات المحاكمة المنصفة.
وبإحالة هذا المقترح على اللجنة البرلمانية المختصة، تجد الحكومة نفسها أمام امتحان حقيقي: إما الانخراط الجاد في مسار حقوق الإنسان، أو البقاء في منطقة رمادية تعيق تقدم البلاد نحو التحديث الديمقراطي والتشريعي.