في خطوة وُصفت بأنها “ناقوس خطر سياسي واقتصادي”، دقّت ثلاثة أحزاب معارضة في الجزائر ناقوس الخطر بخصوص قانون المناجم الجديد، محذّرة من أنه يمهّد الطريق لنهب منظم لثروات الشعب، ويكرّس تبعية اقتصادية جديدة لصالح الشركات متعددة الجنسيات، تحت إشراف نظامٍ وصفته هذه القوى بـ”الواجهة المدنية لسلطة الجنرالات”.
الأحزاب الثلاثة، وهي حزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب جيل جديد، وصفت القانون بـ”الخيانة الاقتصادية المكتملة الأركان”، معتبرة أنه يضع الثروات الوطنية تحت تصرف الأجانب بنسبة تصل إلى 80%، مقابل 20% فقط للطرف الجزائري، في عقود طويلة الأمد قابلة للرهن والتنازل، وهو ما اعتبرته الأحزاب تفريطًا لا سابق له في السيادة، وإلغاءً فعليًا لمسار التأميم الذي انطلق منذ ستينيات القرن الماضي.
وأوضحت الأحزاب في بيان مشترك أن تمرير القانون في البرلمان، دون أدنى نقاش مجتمعي، يُثبت أن ما يُسمى بالمؤسسات التمثيلية في الجزائر ليست سوى أدوات بيد النظام العسكري، تنفّذ قرارات مفروضة من أعلى، بعيدًا عن مصالح الجزائريين وأجيالهم القادمة.
وفي سابقة نادرة، وحّدت هذه الأحزاب، رغم اختلاف توجهاتها، مواقفها لتحذير الشعب من الخطر المحدق، مشيرة إلى أن القانون الجديد “ينسف” مفهوم الملكية الجماعية للثروات المنجمية، ويعيد الجزائر إلى مربع التبعية والنهب الذي عرفته بداية الألفية، حين تَحوّلت مناجم مثل بوخضرة والونزة وأمسمسة إلى رماد بعد تدخل شركات أجنبية تركتها مدمّرة، دون أدنى التزام بالاستثمار أو التنمية أو البيئة.
وأضاف البيان أن هذا المسار لا يمثّل مجرد خلل في التقدير، بل هو “سياسة مبرمجة لخدمة مصالح الجنرالات ومحيطهم”، الذين يسعون إلى رهن موارد البلاد الاستراتيجية لمراكز القوى المالية الدولية، مقابل ضمانات للبقاء في السلطة، ولو على حساب الأرض والكرامة الوطنية.
كما أكدت الأحزاب أن القانون يشكّل تنازلاً خطيراً عن معادن استراتيجية نادرة، مثل الذهب، والليثيوم، واليورانيوم، وهي ثروات يُراهن عليها العالم في سباقه على الطاقة والتكنولوجيا، معتبرة أن فتح المجال للأجانب للسيطرة عليها هو بمثابة “إهداء مفاتيح المستقبل ليدٍ خارجية”، بمباركة من سلطة غير شرعية ولا منتخبة.
وتساءلت هذه الأحزاب بمرارة: “كيف يمكن لنظام يزعم الدفاع عن السيادة أن يتنازل عن قلب هذه السيادة؟ كيف لمن باع المناجم اليوم أن لا يبيع المحروقات غدًا؟”، محذّرة من أن هذا التوجه لن يتوقف عند قطاع المناجم، بل سيمتد إلى كل ما تبقى من أعمدة الاقتصاد الوطني، ما دام القرار الفعلي بيد جنرالات يتصرفون في ثروات البلاد كغنيمة حرب.
الأحزاب المعارضة لم تتردد في تحميل عبد المجيد تبون مسؤولية مباشرة، واصفة إياه بـ”أداة تنفيذ لقرارات المؤسسة العسكرية”، ومنبّهة إلى أن تمرير قانون بهذا الحجم، دون أي التزام ببرنامجه الانتخابي، ودون استشارة الشعب، هو تأكيد إضافي على أن مؤسسات الدولة اليوم تُدار بمنطق الأوامر، لا منطق السيادة الشعبية.
وانضمّت جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في البلاد، إلى قائمة القوى الرافضة لهذا القانون، ووصفت ما يجري بأنه “تفريط كامل في استقلال القرار الاقتصادي”، محذّرة من خطر خوصصة قطاع المحروقات على غرار ما حدث سنة 2005، وهو ما قد يعيد الجزائر إلى مستنقع المديونية والتبعية.
وحذّرت الأحزاب الموقعة من أن الصمت على هذا القانون هو صمت على أكبر عملية نهب قانونية في تاريخ الجزائر المستقلة، مطالبة بتجميده الفوري، وفتح نقاش وطني شامل يضم القوى الحية من نقابات، وخبراء، ومجتمع مدني، لإعادة الاعتبار لمفهوم السيادة الشعبية على الثروات الطبيعية.
في ظل انسداد سياسي مطبق، وتضييق ممنهج على كل الأصوات المستقلة، يشكّل هذا الموقف المشترك للأحزاب المعارضة بارقة أمل نادرة في جدار الصمت المفروض بالقوة، ورسالة واضحة مفادها أن الجزائر ليست للبيع، وأن من يحكمها اليوم لا يفعل ذلك باسم الشعب، بل باسم مصالح الجنرالات وشبكاتهم العابرة للحدود.