في مشهد يتكرر بشكل مقلق داخل المؤسسة التشريعية، عاد ملف غياب النواب البرلمانيين ليتصدر واجهة النقاش السياسي، بعد تسجيل حضور هزيل في الجلسة التشريعية الختامية للدورة البرلمانية الأخيرة. مصدر مسؤول داخل مجلس النواب كشف لجريدة بلبريس أن الغياب الجماعي لعدد كبير من البرلمانيين أثار استياء رئاسة المجلس، ودفعها للتفكير جدياً في اتخاذ إجراءات صارمة لضبط هذا السلوك المتكرر.
وقال المصدر إن رئاسة المجلس عبّرت عن انزعاجها الكبير من هذا الغياب غير المبرر، الذي وصفه بـ”الاستخفاف بالمهام التمثيلية”، خصوصًا بعدما سجلت بداية الجلسة الصباحية ليوم الثلاثاء الماضي حضور 62 نائباً فقط من أصل 395. ورغم التحاق عدد إضافي خلال الجلسة المسائية، فقد بلغ الحضور الإجمالي 112 نائباً فقط، وهو رقم لا يعكس حجم تمثيلية الغرفة الأولى ولا مسؤولياتها التشريعية والرقابية.
المصدر ذاته أكد لـبلبريس أن رئاسة مجلس النواب تعتزم سدّ كافة الثغرات التقنية التي تسمح بمرور هذه الظاهرة دون رصد دقيق، عبر تطوير آليات المراقبة بالكاميرات، والعودة إلى تلاوة أسماء المتغيبين أمام الرأي العام الوطني، باعتباره خطوة أولى نحو إحياء الشعور بالمسؤولية والرقابة المجتمعية.
وأشار المتحدث إلى أن الدورة التشريعية المقبلة ستعرف “تغييرات ملموسة” في التعاطي مع هذا الملف، من بينها تفعيل صارم للنظام الداخلي، وتطبيق العقوبات التأديبية المنصوص عليها، موضحًا أن مجرد العتاب والتنبيه لم يعد كافياً، في ظل تكرار الظاهرة دون مبررات مقنعة.
ويعكس هذا الغياب المتكرر، بحسب عدد من المراقبين، أزمة عميقة في العلاقة بين النائب البرلماني ومهامه التشريعية، كما يطرح علامات استفهام حول جدية بعض المنتخبين في تمثيل إرادة المواطنين الذين أوصلوهم إلى قبة البرلمان.
في مقابل ذلك، يطالب مواطنون وفاعلون مدنيون بضرورة نشر لوائح الغياب بشكل دوري وربطها بالمردودية التشريعية للنائب، إلى جانب التفكير في مقاربات جديدة لضمان الحضور والانضباط داخل المؤسسة التشريعية.
فهل تشهد الدورة المقبلة تحوّلاً جذريًا في تعاطي البرلمان مع “داء الغياب المزمن”؟ أم أن المشهد سيظل على حاله، في ظل غياب ربط حقيقي بين المسؤولية والمحاسبة؟