كيف تورط النظام الجزائري وجهازه الاستخباراتي في اختطاف معارض؟

في تقرير صادم كشفت عنه المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسية، تم اتهام مسؤول سابق رفيع المستوى في السفارة الجزائرية بباريس بالضلوع في عملية اختطاف المؤثر الجزائري أمير بوخرص عام 2024، وهو ما يعري مرة أخرى الأساليب القذرة التي يلجأ إليها النظام الجزائري لتصفية معارضيه حتى على الأراضي الأوروبية. التقرير، الذي نشرته صحيفة “لوفيغارو”، يكشف تفاصيل مثيرة عن تورط ضابط استخبارات جزائري يعمل تحت غطاء دبلوماسي، مما يؤكد أن الجزائر تحولت إلى دولة شبه عصابات تخرق القانون الدولي بوقاحة وتستخدم مؤسساتها الدبلوماسية لتنفيذ أجندات إجرامية.

التحقيق الفرنسي، الذي أشرف عليه قاضٍ متخصص في مكافحة الإرهاب، أظهر أدلة دامغة على تورط شخص يُدعى “س. س.”، وهو ضابط في جهاز الاستخبارات العسكرية الجزائرية (DGDSE)، كان يعمل في باريس تحت ستار السكرتير الأول للسفارة. هذا الرجل، الذي فرّ على الأرجح إلى الجزائر مستغلاً الحصانة الدبلوماسية، يمثل وجهاً آخر من وجوه النظام الجزائري الفاسد الذي يختفي خلف الألقاب الرسمية لتنفيذ عمليات إرهابية. صمت السلطات الجزائرية عن التعليق على التهم الموجهة لموظفها ليس إلا اعترافاً ضمنياً بالجريمة، وهو النهج المعتاد لنظام اعتاد على الإنكار والمراوغة كلما كشفت فضائحه.

عملية الاختطاف، التي استهدفت بوخرص في ضاحية باريسية أواخر أبريل 2024، تكشف عن جرأة غير مسبوقة للنظام الجزائري في انتهاك سيادة دولة أوروبية، حيث تم تنفيذ العملية بمشاركة موظف قنصلي جزائري متهم بالضلوع في الجريمة. تقارير الاستخبارات الفرنسية تؤكد أن الضابط “س. س.” كان على اتصال بالمختطفين أثناء الحادث، بل وسحب أموالاً من البنك في نفس الليلة، فيما يشبه عملية دفع لمكافآت الجناة. هذه التفاصيل لا تترك مجالاً للشك في أن العملية كانت مخططة وممولة من دوائر رسمية جزائرية، في سابقة خطيرة تعيد إلى الأذهان أساليب الأنظمة الديكتاتورية في التسعينيات.

الأكثر إدانة هو تتبع تحركات الضابط الجزائري، حيث رُصد هاتفه بالقرب من منزل الضحية وأماكن تواجده قبل شهر من الحادثة، مما يؤكد أن العملية كانت مدبرة بعناية من قبل أجهزة النظام. هذه ليست المرة الأولى التي يثبت فيها تورط الجزائر في أعمال إرهابية خارج حدودها، لكن الجديد هذه المرة هو وقوعها في قلب العاصمة الفرنسية، وهو ما يعكس استهتاراً غير مسبوق بالعلاقات الدولية والقوانين الأوروبية. النظام الجزائري، الذي يبدو أنه لم يعد يبالي حتى بالمظاهر، يحوّل دبلوماسييه إلى عملاء إجرام، وهو سلوك لا يمكن تفسيره إلا بثقافة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها قادة هذا النظام.

اللافت في القضية هو الخلفية السياسية للضحية، أمير بوخرص، الذي منحته فرنسا اللجوء السياسي عام 2023 بعد رفض تسليمه للجزائر، حيث يُعتبر صوته مصدر إزعاج للنظام بسبب انتقاداته اللاذعة للفساد والقمع في البلاد. ملاحقة الجزائر له بتسع مذكرات توقيف دولية، بعضها بتهم ملفقة مثل “الإرهاب”، لا يخفي حقيقة أن النظام يستخدم القضاء كأداة للانتقام من المعارضين. رفض فرنسا تسليم بوخرص كان إشارة واضحة إلى عدم ثقة المجتمع الدولي في عدالة النظام الجزائري، واليوم، بإقدامه على اختطاف معارض على الأراضي الفرنسية، يثبت هذا النظام أنه يعيش خارج القانون.

هذه الحادثة ليست سوى حلقة في سلسلة الفضائح التي يورط فيها النظام الجزائري نفسه، بدءاً من دعمه للجماعات الإرهابية في المنطقة، وصولاً إلى اختطاف المعارضين في الخارج. ما حدث في باريس ليس جريمة عادية، بل هو اعتداء صارخ على سيادة فرنسا ودليل على تحول الجزائر إلى دولة مارقة تهدد الأمن الأوروبي.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *