عيد الأضحى..كيف أهان النظام العسكري الجزائريين من خلال "مقامرة الأكباش"؟

عيد الأضحى..كيف أهان النظام العسكري الجزائريين من خلال "مقامرة الأكباش"؟

في تجلٍّ صارخ لفشل النظام الجزائري في إدارة أبسط الملفات المعيشية، تحولت شعيرة عيد الأضحى هذا العام إلى مشهد مأساوي يعكس عجز سلطة فقدت شرعيتها وقدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها. فبدل أن تكون المناسبة فرصة للفرح والتكافل، تحولت بفعل التخبط الحكومي إلى مسرح للإذلال الجماعي، يكشف عمق الأزمة التي تعصف بدولة غنية بالثروات لكنها فقيرة في الكفاءة.

لم يكن يتصور حتى أكثر الجزائريين تشاؤماً أن يصبح الحصول على أضحية مرهوناً بـ"قرعة" أشبه بمقامرة، وسط شروط مجحفة تبدأ بإثبات الهوية والرصيد البنكي، وتنتهي بتوقيع تعهد لشراء الكبش سواء كان سليماً أو نافقاً. لم تكتفِ الدولة بإذلال مواطنيها في طوابير الزيت والسكر، بل أضافت إليهم طابوراً جديداً: طابور الخراف. ما روّج له إعلام النظام كإنجاز غير مسبوق لم يكن سوى عرضاً هزلياً، حيث تحوّلت عملية استيراد الأكباش إلى مسرحية دعائية تخلو من أي أثر حقيقي على الأرض.

في الوقت الذي اجتاحت فيه السخرية مواقع التواصل الاجتماعي، ظل الإعلام الرسمي يردد أكذوبة أن مليون رأس من الأغنام كافية لتلبية احتياجات 45 مليون جزائري. رياضياً، المعادلة مستحيلة، وواقعياً، لم يجد المواطنون أي أثر لهذا "الإنجاز" سوى في البيانات الرسمية. أما على الأرض، فالصور أمام البلديات كانت شاهدة على مشاهد مأساوية لفقراء ينتظرون دورهم في "اليانصيب" للحصول على حق شراء خروف.

لم تقتصر المهزلة على فوضى التوزيع، بل امتدت إلى التسعيرة الموحّدة التي تجاهلت الفروقات في الوزن والجودة، حيث دفع المواطنون نفس المبلغ مقابل رأس هزيل أو مقبول. مطالب الناس بتسعير الأضاحي بالكيلوغرام سقطت على آذان صماء، وكأن العدالة في الجزائر تتوقف عند عتبات البلديات.

وعد الرئيس تبون بمليون رأس، لكن الأرقام ظلت حبيسة الخطابات الرسمية، بينما غابت عن الأسواق. الأكباش التي زُعم أنها ستفيض في الأسواق لم تظهر إلا في بعض الولايات، في مشهد أشبه بتوزيع المساعدات الإنسانية وليس ببيع في سوق عيد. وفي مقارنة تكشف الفارق بين الدولتين، اختار المغرب، رغم ظروفه الاقتصادية، تعليق الذبح حفاظاً على التوازن المالي، بينما فضلت الجزائر ذبح كرامة مواطنيها قبل ذبح الأضاحي.

على الحدود، تحوّل المشهد إلى مهزلة أخرى، حيث ظهر شباب جزائريون يلوحون بأكباش كرتونية للمغاربة، في محاولة يائسة لإثبات "الوفرة" التي لا وجود لها. الرد المغربي كان سريعاً، حيث سلط الضوء على الفراغ السياسي الذي تعيشه السلطات الجزائرية، والتي تختزل كل إنجازاتها في الأوراق والخطابات.

المشكلة ليست في الأضاحي، بل في منهجية إدارة البلاد. دولة تُعد من أكبر مصدري الغاز في العالم تعجز عن توفير خروف لكل أسرة دون حاجة إلى "يانصيب"، فتحوّل المواطن من صاحب حق إلى متسول ينتظر رحمة القوائم. هذا المشهد ليس فشلاً اقتصادياً فحسب، بل انهياراً لقيم الدولة ومؤسساتها. نظام يتباهى بالسيادة وهو عاجز عن تأمين أبسط مقومات الحياة الكريمة.