"تداعيات دعم الشناقة".. الكسّابة يغرقون في الديون بينما تُنفق المليارات على المستوردين!

في الوقت الذي كان فيه القرار الملكي السامي بإعفاء المغاربة من شعيرة الأضحية هذه السنة بمثابة "نسمة رحمة" لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، تظهر الحكومة بمظهر المتفرج أمام معاناة آلاف الكسّابة والفلاحين الصغار الذين أوشكوا على الإفلاس. فبينما تُصرّ وزارة الفلاحة على ضخ المليارات لدعم مستوردي المواشي بإعفاءات جمركية وضريبية، يترك صغار المربين يواجهون مصيراً قاسياً: ديون متراكمة، قطعان هزيلة، ومستقبل غامض في ظل غياب أي دعم حقيقي.

الكسّابة ضحايا الجفاف.. والحكومة تتجاهل صرخاتهم

السؤال الكتابي الذي تقدم به النائب إبراهيم أوعبا، عضو فريق الحركة الشعبية، كشف النقاب عن فجوة خطيرة في سياسة الحكومة. فبعد مواسم جفاف قاسية، اضطر عشرات الآلاف من الكسّابة إلى الاقتراض لشراء الأعلاف أو كراء المراعي، آملاً في بيع مواشيهم خلال عيد الأضحى. لكن مع إعفاء الأضحية هذه السنة، تحوّلت هذه القروض إلى كابوس سيُفجر أزمة اجتماعية حادة، خاصة في المناطق الجبلية والفقيرة.

والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا تُسرع الحكومة إلى دعم المستوردين بملايين الدراهم، بينما تتجاهل مطالب الفلاحين المحليين بإعادة جدولة ديونهم أو تقديم دعم مالي عاجل؟ أليس هؤلاء الكسّابة هم أولى بالدعم من وسطاء الاستيراد الذين يثرون على حساب المواطن البسيط؟

 

مليارات الضرائب المُهدرة.. أين الأثر على المواطن؟

اللافت في هذا الملف هو التناقض الصارخ بين خطاب الحكومة عن "حماية القطاع الفلاحي" وواقع السياسات المُنفذة. فبينما يُمنح مستوردو المواشي إعفاءات ضريبية تصل قيمتها إلى ملايين الدراهم، لا يجد الكسّابة المغاربة سوى الوعود الجوفاء. والأكثر إثارة للاستياء هو أن هذه الإعفاءات لم تنعكس على أسعار اللحوم في السوق، بل ظلت مرتفعة بما يفوق قدرة المواطن العادي.

فهل يعقل أن تتحمل خزينة الدولة تكاليف استيراد الأغنام بينما يُترك المربون المحليون عرضة للإفلاس؟ وأين هي "الرؤية الاستراتيجية" لوزارة الفلاحة لإعادة بناء القطيع الوطني، بدلاً من جعل المغرب سوقاً للمواشي المستوردة؟

الحكومة.. انتقائية الدعم وسياسة الازدواجية

لا يمكن فصل هذا الملف عن سياسة الحكومة الانتقائية في تدخلاتها. فبينما تُعلن عن "حزم دعم" للمهن المتضررة، تبقى الإجراءات حبراً على ورق عندما يتعلق الأمر بالفلاحين الصغار. بل إن السجل يُظهر أن الدعم يذهب في الغالب إلى الفاعلين الكبار، بينما يُترك الباقون لمصيرهم.

النائب أوعبا طرح سؤالاً مشروعاً: ما هي الإجراءات العاجلة التي ستتخذها الوزارة لإنقاذ الكسّابة من شبح الديون؟ لكن التجربة السابقة تُشير إلى أن الإجابة ستكون إما "مطموسة" في ردّ كتابي بيروقراطي، أو مؤجلة إلى حين "دراسة الملف"!

فالقرار الملكي الذي رحب به كل المغاربة، بإعفاء الأضحية كان رسالة إنسانية واضحة: تخفيف العبء عن المواطن. لكن الحكومة، بدلاً من أن تحذو حذوه، تواصل سياسة اللامبالاة. فالدعم يجب أن يذهب أولاً إلى الكسّابة المغاربة، لا إلى جيوب المستوردين. والمسألة ليست مجرد "أزمة مواشي"، بل اختبار حقيقي لمصداقية سياسة الحكومة في دعم الفلاحة المحلية.

فهل سيكون هذا الملف نقطة تحول لمراجعة هذه السياسات، أم سيُضاف إلى سجل الإخفاقات التي لا تُحاسب عليها هذه الحكومة؟ السؤال ينتظر إجابة عملية، لا وعوداً أخرى تتبخر مع نهاية كل موسم!