تأويل الإسلام أو سوء فهم آياته ليس سببا للإرهاب، وتقديم هذه الأسباب المزيفة في الأصل هروب من الواقع الجائر والتسيير الأوتوقراطي. سبب التطرف بجميع أشكاله راجع إلى غياب العدل والديمقراطية لأن الظلام هو غياب النور والظلم هو غياب العدل والتطرف هو غياب الديمقراطية داخل البلد وفي العالم بأكمله.
غياب العناصر الآتية سبب التطرف وعدم أمن الإنسانية وسعادتها:
1. داخل الوطن نفسه
أ. غياب الديمقراطية "بدون ديمقراطية تبقى الأديان ظلاماً والأوطان سجوناً"
الإنسان في حاجة إلى الديمقراطية للشعور بالأمان والثقة في وطنه ومجتمعه. والديمقراطية هي التي تحقق وتضمن حقوق كل مواطن بغض النظر عن أفكاره أو عقيدته أو عرقه أو ثقافته. الديمقراطية تحقق الوحدة في التنوع وتزرع التعايش والألفة بين كل عناصر المجتمع وتجعل منه حديقة جميلة بتنوع ورودها ونباتاتها. الديمقراطية تجعل من كل المواطنين أوراق وثمار شجرة واحدة وتخلق التناغم بينهم.
تُمتحن الديمقراطية بشعور المواطنين بالحق في التعليم والصحة والرفاهية والكرامة في العيش. كما تُمتحن الأديان بديمقراطيتها بين كل البشر، وبدون ديمقراطية تبقى الأديان ظلاماً والأوطان سجوناً.
عندما تغيب الديمقراطية، تبقى كل أبواب التطرف مفتوحة، التطرف في المخدرات وفي الدعارة وفي الإجرام وفي الأديان وفي السياسة، لأن الإنسان في حاجة إلى الانتماء إلى مجموعة ما، تضمه إلى أحضانها للدفاع عن حقوقه ومساعدته لتصفية حساباته الشخصية مع الظالمين.
ب. غياب الشعور بحقوق المواطنة "مهاجر سري داخل وطنه"
المواطن في حاجة إلى الإحساس بالانتماء الكامل للوطن. ولكي يشعر بذلك، لا بد أن يشعر بأن حقوقه مضمونة وأن الوطن يخطط ويوفر له كل حقوقه في كل المجالات. لكن لما يشعر المواطن بأنه مهاجر سري داخل وطنه وبأن وطنه لا يوفر له كل شروط الشعور بالكرامة ويجد نفسه غريبا وغير محبوب ومرغوب فيه داخل وطنه، يفقد الشعور بالمواطنة ويرى نفسه لا شيء، يفقد معنى حياته ويتوجه إلى التطرف بكل أشكاله ويتمسك به لكي يشعر بوجوده وبمن يعتبره عنصرا مهما داخل المجموعة الجديدة، كانت إجرامية أو دينية، لتصفية الحسابات الشخصية مع الظالمين.
ت. غياب الشعور بالعدل
الإنسان في حاجة إلى العدل لأنه سبب تماسك أفراد المجتمع فيما بينهم وسبب سلامة نسيجه، وخصوصا داخل الأمة نفسها. فلما يغيب العدل في الوطن وضوح الشمس في وسط النهار، يغيب حتى داخل الأمة التي تؤمن بالدين نفسه، فيفقد الفرد الأمل في الوطن وفي الدّين المتداول به، ولذلك يتجه إلى التطرف حيث يجد عددا كبيرا ممن يشاركونه الشعور نفسه والأفكار ذاتها، سواء في الإجرام أو الدّين.
ج. غياب معنى للحياة
الإنسان في حاجة إلى التشبث بأشياء معينة تُعطيه معنى لحياته التي تُرضيه وتُسعده، مثل الديمقراطية والحقوق والكرامة والتعليم والصحة والشغل والحرية. فلما يفقد الإنسان معنى حياته، يفقد أيضا الأمل في الحياة ويشعر بأنه لا شيء ولا يبقى أمامه سوى الانتحار أو التطرف في المخدرات والإجرام والدّين. وحتى إذا تمسك بالدّين، يتمسك به بطريقة تختلف عن العامة لأنه في حاجة إلى مجموعة لها خصوصياتها ومختلفة عن الآخرين، تُرحب به وتتقاسم معه الشعور نفسه. هكذا يجد معنى جديد لحياته يتشبث به ويسمح له بتصفية الحسابات الشخصية مع الذين يعتبرهم ظالمين.
2. في العالم
ومع غياب كل هذه العناصر المذكورة أعلاه في العالم بأكمله، يظهر التطرف والإرهاب بكل أنواعه، التطرف الاقتصادي والإعلامي والسياسي والعسكري والإجرامي والثقافي والعرقي والدّيني.
أحببنا أم كرهنا، لقد أصبح العالم وطنا واحدا وبلدة واحدة وكل البشر عائلة واحدة، ولكن غياب العدل والديمقراطية بين مجتمعاته يخلق اضطرابا كبيرا في سعادة وسلام الإنسانية. لقد أصبح العالم الآن معاقا مع غياب كل العناصر المذكورة أعلاه، وستزداد إعاقته ما دامت هذه الفوارق قائمة بين مجتمعاته ويسعى كل بلد إلى استغلال الآخر لمصالحه ولو تطلب هذا الاستغلال إسالة الدماء وترك البشر يموتون جوعا ومرضا وبدون كرامة.
فالظلم القائم في العالم له دور رئيسي في إنتاج التطرف والإرهاب، ولا داعي للنفاق واتهام الإسلام. بل محاولة القضاء على الدّين أو تغيير آياته هو أمر غير عادل وغير ديمقراطي وسيزيد الطين بلة، وهذا ما نلاحظه بأعيننا منذ عشرات السنين في مناطق عدة من العالم.