دائماً ما تأتي على مسامعنا أسماء للحروب والمعارك من قبيل “حرب الرمال” أو “عاصفة الحزم” أو “طوفان الأقصى”، كما هو الحال بالنسبة للحرب الدائرة بين غزة وإسرائيل في الآونة الأخيرة؛ فالحروب أسماؤها فن وآداب، وهي شكل من أشكال الدعاية الحربية، ومن أبرز وسائل القتال في حسم المعارك وإطالة أمدها، أو تجنّب التهديدات الحربية.
فقد ظلت أسماء المعارك والحروب أداة للردع والترهيب ودماراً لنفوس الخصوم أكثر من دمار المعدات القتالية، لكونها تستطيع التسلل إلى الأذهان، وقادرة على التأثير سلباً أو إيجاباً في المخيال الجماعي، ومن شأنها منحك شعوراً بالفخر والاعتزاز ونشوة الانتصار، وتجعلك أكثر قوة أمام الخصوم؛ بينما قد تكون مصدر ضعفك وانهزاميتك وتجعلك منبطحاً سهل المنال، الأمر الذي يجعل أحياناً من الاسم حاسماً في الهزيمة أو النصر.
فالكثير من الحروب فُصِل فيها بأسمائها وفي نفوس أطرافها، وإعطاء انطباعات انهزامية أو انتصارية؛ فإذا نجح الخصم في ترهيبك أدى إلى التشكيك في قدراتك وخلق قلق داخلي لديك وأضعفك، وجعلك متقبلاً للهزيمة، بل قد يكون الاسم جزءاً من الذاكرة المذلّة التي تجعلك متقبلاً للهزيمة، أو ذريعة أمام الأجيال اللاحقة للانتقام وحفظ ماء وجه الأجداد؛ فالحروب تنتهي بنهاية القتال والمعارك، لكن الأسماء تجعلها باقية مستمرة في النفوس وحية.
وبالمقابل، إذا كان رهاب الاسم لصالحك، جعل من معنوياتك قوية، وأعطاك رمزية وحافزاً وحضوراً قوياً أمام الخصوم الذين يهابونك، فالتسمية تزيد من قوة المعركة والحرب ومن حضور الأمة المنتصرة فيها، والدلالة الرمزية تحول دون نسيانها، وتجعل الاسم ممتداً عبر الزمن، يحكي عن تاريخ أمة قاتلت من أجل الوجود والبقاء والاستمرار، وكذلك ربط الماضي بالحاضر، وجعل الماضي عنصراً مكوناً للهوية الحاضرة حتى لا يطالها النسيان، وتمنح الأمة وقود انبعاث متجدداً لإبقاء الذاكرة حية، من أجل الرمزية والاعتزاز والافتخار وتقدير الذات.
وقد تكون للأسماء أبعاد إنسانية، فتدل على تاريخ مظلم وفظائع ومرارات وخسائر مادية وبشرية بين كل الأطراف، الأمر الذي يدفعهم لتصحيح الماضي والنظر إلى المستقبل وجعله مكسباً، وإطلاق اسم يخدم مستقبل الطرفين، مع إبقاء الفظائع حاضرة في الاسم، حتى تكون الصورة حاضرة في ذهن الأجيال اللاحقة للحيلولة دون ضياع تلك المكاسب ذات الحمولة الإنسانية.
الرمزية الجغرافية والطبيعية
حملت بعض المعارك أسماء مستوحاة من إيكولوجيا المنطقة؛ فانبهار الجنود بالطبيعة التي أقيمت عليها الحرب قد يترك لوحة فنية في باطنهم تتحدث عن سحر الطبيعة التي أدهشتهم أثناء تلك المعارك، من جبال وأنهار ورمال بشتى أشكال التنوع الإيكولوجي والجيولوجي، مما قد يدفع الجنود إلى إطلاق اسم على معركة من المعارك بما يميزها في الذهن الجماعي عن باقي التجارب القتالية. وقد ترتبط التسميات أيضاً بتشبثهم بترابهم، فيميزون الحرب بما تتميز به الجغرافيا موضوع الحرب التي يدافعون عنها.
ومن أمثال تلك التسميات “حرب الرمال” المحفورة في ذاكرة المغاربة، إذ إنها ترتبط بقضية الأمة المغربية المتعلقة بالصحراء، نسبة إلى منطقة الصحراء التي تتميز بالكثافة الرملية للأرض التي وقعت عليها الحرب. وكلما ذُكرت، زاد تشبث المغاربة بالصحراء ورمالها التي شهدت على حقبة زمنية سالت فيها دماء جنودهم من أجل حرية أرضهم، فاختلط الدم بالرمال، وأضحت للرمال دلالة رمزية في نفوس الشعب المغربي من أجل التشبث بأرضه.
الرمزية الزمنية والشخصية
تستعمل التواريخ وألقاب الأشخاص عادة في الحروب والمعارك وترتبط بأسمائهم، من أجل إحياء الذاكرة في أذهان أي أمة. فتسمية الحروب بأسماء الأشخاص يراد منها تكريم القادة والأبطال وتخليد أسمائهم، مما يجعل رموز تلك الحرب مصدر إلهام وشغف وأسوة وقدوة. كما أنه دليل على الوفاء لروح الأبطال والاعتراف بتضحياتهم، وأيضاً الإظهار للخصم أن الحرب لا تنتهي بنهاية الأشخاص، بل إن دمهم دين في رقاب الأحياء، مما يزيد من العزيمة والنزعة الانتقامية، ويكتب التاريخ بأسمائهم.
أما الارتباط بالزمن والتاريخ فيُحفر في الذاكرة كشهادة على لحظة زمنية من تاريخ الأمة وتوثيقها، فقد تكون مفجعة أو العكس. فتسمية الحرب بتاريخ انتصار أمة ما، يرفع من همتها ويبقي ذاكرتها حية، ويحيي النفوس بنشوة انتصار الأجداد وصناعتهم للأمجاد لدى الأحفاد، مما يجعل من تاريخ تلك الحرب مصدراً دورياً للشعور بالفخر، نظراً لرمزية ذلك اليوم في تاريخ الأمة الذي يزيد من ارتباطها بتاريخها، ويبقي بواعث الأمل مستمرة. كما هو الحال بالنسبة لـ”حرب 6 أكتوبر”، الشاهدة على زحف القوات المصرية نحو قناة السويس والاستيلاء على خط بارليف، والتي صُنِّف قادتها ضمن 50 الأبرع في العالم.
الترعيب والتخويف
كما تقوم بعض العمليات على استعمال مفردات من شأنها خلق قلق داخلي لدى الخصوم، بسبب شدة الضربات والعمليات العسكرية، مما يجعلها مصدر قلق وخوف في النفوس والذاكرة الجماعية، وترتبط ارتباطاً شديداً بحجم الدمار والخسائر المادية والبشرية؛ كما هو الحال بالنسبة لـ”طوفان الأقصى”، التي خلفت ذعراً في نفوس الإسرائيليين، وستظل راسخة في ذاكرتهم، بينما ستشكل مصدراً للفخر لدى المقاومة الفلسطينية وأنصارها، بل من شأنها أن تكون حافزاً للفلسطينيين للتخلص من شعور الهزيمة وانبعاث القضية من جديد.
وقد يشكل الترهيب وصمة عار في جبين من تبناه، فيلجأ إلى استعمال ألفاظ عاطفية أكثر ليونة، مما يعطي انطباعاً عن بوادر تصحيح المسار والتصالح مع الماضي؛ فـ”عاصفة الحزم” التي قادتها دول الخليج ضد اليمن، أرادت السعودية من خلالها إظهار أنها دولة لا تتردد في اللجوء إلى القوة ضد كل من يهدد أمنها ومصالحها، لكن التداعيات الإنسانية دفعتها إلى إعلان “إعادة الأمل” من أجل رفع الحرج.
الدعاية الروحية
يمكن لأسماء بعض الحروب والمعارك أن تستلهم أسماءها من قصص دينية، تقوم على أساس تشبيه بعض المعارك بمثيلاتها المستوحاة من الروايات الدينية، الأمر الذي يحفز الوازع الروحي في العملية ويضفي عليها القداسة، من أجل كسب الإجماع حولها في الأوساط الاجتماعية، وتحفيز الفيالق العسكرية وكأنها أمام واجب ديني يقتضي الالتزام بنصرة القضايا الدينية، وبعث الطمأنينة في نفوس الجنود بالحماية الربانية والمهام الروحية مقابل الفوز بالآخرة. لذلك كثيراً ما نسمع بمعارك تستلهم أسماءها من القرآن والرموز الدينية، كعملية “حجارة السجيل” المستوحاة من سورة “الفيل”، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل سنة 2014.
التبرير السياسي
هو شكل من أشكال الدعاية السياسية، حيث يقدم صانع القرار على تفسير سلوك غير منطقي وإعطائه أسباباً مقبولة اجتماعياً، قصد إضفاء الشرعية على القرارات، بما فيها العمليات العسكرية. فمثلاً في الحرب الدائرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تقوم الدعاية الحربية للجانب الإسرائيلي على بروباغندا إعلامية لوصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وهي عملية إعداد سيكولوجي قصد تبرير العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين العُزّل، دون خجل من المجتمع الدولي، وإضعاف موقف الخصوم أمام المراقبين بذريعة القضاء على الإرهاب أو “الحرب على الإرهاب”، وهو نفس الاسم الذي استخدمته الولايات المتحدة في دفاعها عن مصالحها في الشرق الأوسط.
البعد الإنساني
لقد شكّلت “معاهدة وستفاليا” نقطة مفصلية في تاريخ الإنسانية، استطاع العالم من خلالها التخلص من وصاية الأمم على بعضها البعض في الجانب السياسي والديني، وحققت مكاسب إنسانية ننعم بها إلى يومنا هذا، من اعتراف بالدولة الأمة، وفصل الكنيسة عن الدولة، واحترام سيادة الدولة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
لكن هذه المبادئ لم تتحقق إلا نتيجة للتجارب الدامية التي عاشتها أوروبا خلال محطة تاريخية مظلمة جراء غياب احترام تلك المبادئ، مما أدى إلى تداعيات مدمرة في حق أطراف الحرب كافة.
وقد دفع ذلك إلى إجراء “صلح وستفاليا” واعتبارها مكسباً إنسانياً سيادياً، وأطلقت على المعارك التي سبقت تلك الحرب تسمية “حرب الثلاثين عاماً”، كدلالة على طول أمد الحرب والخسائر التي خلفتها، مما جعلها محفورة في الذاكرة الإنسانية كمكسب للحيلولة دون تكرارها.
إذاً، فاسم الحرب أو المعركة جزء لا يتجزأ من أطوارها، نظراً للأثر السيكولوجي الذي يخلفه في نفوس الأمة، ويمكننا من فهم ما يدور حولها ورمزيتها، ورموزها، والتاريخ الذي أجريت فيه، والأراضي التي أقيمت عليها، ثم الغايات التي كانت تسعى إليها. فإعلان الحرب دائماً ما يواكبه اختيار تسميتها، التي يراد منها التأثير في النفوس سلباً أو إيجاباً.
وحسمها في النفوس يمكن استقاؤه من خلال مدى بقاء ذلك الاسم في الذاكرة أو زواله منذ لحظة الهجوم، ومدى قوة الدعاية المضادة وقدرتها على التصدي للاسم باسم مضاد قصد قتل رمزية الطرف المهاجم.
طوفان الأقصى
أما “طوفان الأقصى”، فهي عملية عسكرية شنتها المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، كردة فعل على الاعتداءات ضد الفلسطينيين والمقدسيين، وتوسيع الاستيطان في منطقة غلاف غزة، وغيرها من الاعتداءات التي طال أمدها.
ويأتي هذا الاسم، المكوّن من “الطوفان” و”الأقصى”، للدلالة على سيول من الصواريخ والمقاتلين تجرف المنطقة دون القدرة على التصدي لهم، مما يسبب أضراراً كارثية مادية وبشرية، أي فيضان عظيم يحصد الأخضر واليابس.
وفي القرآن للطوفان رمزية، فهو دلالة على مصير الظالمين، مما يضفي على العملية طابع الرعب والترهيب وخلق الذعر في النفوس، مع الشرعية الربانية للعقاب.
أما “الأقصى” فتضفي القدسية على العملية، من أجل كسب تعاطف الدول والشعوب الإسلامية التي تتبنى الطرح الفلسطيني؛ إذن فهي دعاية حربية سيكولوجية تقوم على الترهيب والتخويف مع استحضار الوازع الروحي.
أما الدعاية المضادة من قبل إسرائيل فمبنية على إبراز الانتهاكات الإنسانية ضد المدنيين العزل وأسرى الحرب، مع وصف العملية بالإرهابية، من أجل كسب دعم دولي لصالحها قصد شرعنة عملياتها العسكرية العشوائية وتبريرها بمبرر الإنسانية وحق الدفاع الشرعي والقضاء على الإرهاب؛ فالحرب قائمة في الميدان وفي الإعلام، بين حرب قتالية وحرب نفسية.
فمن يمكنه قتل رمزية الآخر: هل “الإرهاب” أم “الطوفان”؟
وأي الأسماء ستنجح وتستمر: هل “الحرب على الإرهاب” أم “طوفان الأقصى”؟
حين قررت حماس الهجوم على إسرائيل, ألم تعمل في حسابها رد فعلها ؟ و أن هذا سيكون طوفانا دمويا ضحيته سكان غزة ؟ ألم تتخيل أنها تقوم بعملية اتتحارية ؟ ماهو هدفهم ؟ إنهزام إسرائيل و تلبية مطالبهم ؟ يعلمون أن ذلك مستحيل….كلام غريب قاله أحد زعمائهم , متجها لدول التطبيع : ” إسرائيل ضعيفة و لا تستطيع حمايتكم..”..غريب , حمايتهم من أي خطر, هجوم أي بلد ؟؟..ذلك البلد معروف…و يخشى التطبيع و بلا شك قامت حماس بهذه “الماقة التي سيموت الالاف من الابرياء بأمر من ذلك البلد, لكي يعطل التطبيع , لاسيما من طرف السعودية….