20 سنة على هجمات الدار البيضاء.. هكذا حول المغرب مِحنته إلى منحة وأصبح رائدا في مواجهة الإرهاب
يحيي المغرب، الثلاثاء، الذكرى 20 لتفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، وراح ضحيتها 45 شخصا وعرفت إصابة نحو 100 آخرين. بعد هجمات انتحارية من طرف شباب متطرفين على مواقع عدة في المدينة، من بينها فندق فرح، ومطعم "كازا دي إسبانيا" والمقبرة اليهودية.
وبحلول ذكرى هذه الأحداث الأليمة، يتجدد النقاش كل مرة بشأن حقيقة ما وقع في ذلك اليوم، فضلاً عن ملف مئات المعتقلين الإسلاميين، الذين ما زالوا يتواجدون في السجون، علاوة على النقاش بشأن مدى نجاح السياسة الأمنية الاستباقية في تفكيك الخلايا الإرهابية رغم ما راكمه نجاحات على المستوى الميداني حضيت بتقدير دولي.
أحداث 16 ماي
في ليلة الجمعة، 16 مايو 2003، خرج 14 شابا، تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاما، من الحي الصفيحي "كاريان طوما" في منطقة سيدي مومن بالدار البيضاء ليستهدفوا بأحزمة ناسفة أهدافا استراتيجية وحيوية، بدءا بفندق "فرح" ومطعم "دار إسبانيا"، مرورا بمطعم إيطالي بالقرب من "دار أميركا" ومركز اجتماعي يهودي كان مقفلا في ذاك اليوم، وانتهاء بمقبرة يهودية قديمة، وقنصلية بلجيكا.
وشكلت تفجيرات الدار البيضاء، التي جاءت في سياق دولي متسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، صدمة قوية في المملكة من هول ما حدث، بعدما كانت تصريحات عدة تذهب في اتجاه أن "البلاد في منأى عن الإرهاب" الذي ضرب في ذلك الوقت عددا من البلدان العربية.
وتحت وقع صدمة التفجيرات التي ذهب ضحيتها 45 قتيلا والعديد من المصابين، شنت السلطات الأمنية حملة اعتقالات واسعة في صفوف معتنقي الفكر السلفي على امتداد المغرب، وقادت لاعتقال أزيد من 3000 مشتبه به، ينتمون في غالبيتهم إلى "السلفية الجهادية"، وهو الأمر الذي انتقدته بشدة الجمعيات الحقوقية، بعد تسجيل خروقات وتجاوزات اعترفت بها أعلى سلطة في البلاد ممثلة في الملك محمد السادس.
أرقام رسمية
أفضت أحداث "الدار البيضاء" في عام 2003 إلى إرساء المغرب لسياسة أمنية حازمة ضد الجماعات والخلايا الإرهابية، توِّجت في عام 2015 بتأسيس المكتب المركزي للأبحاث القضائي.
ووفق إحصاءات المكتب المركزي للأبحاث القضائية، تعود إلى صيف السنة الماضية، فإنه منذ عام 2015 تم تفكيك 84 خلية إرهابية، من ضمنها 78 مرتبطة بتنظيم "داعش"، و6 لها علاقة بما يطلق عليه "الاستحلال والفيء"، القائم على شرعنة الأنشطة الإجرامية بغرض تمويل أهداف إرهابية تنطوي على المس الخطير بالنظام العام، وهو ما جعل “مؤشر الإرهاب العالمي” الصادر في مارس الفارط، يضع المغرب في خانة البلدان ذات التهديد الإرهابي المنخفض جدا، باحتلاله الرتبة 83 عالميا، على اعتبار أن الدول التي تحتل المراتب الأولى هي الأكثر تهديدا.
وتمكنت المملكة ضمن المؤشر الصادر عن “معهد الاقتصاد والسلام” من كسب 7 مراتب مقارنة مع نسخة السنة الماضية التي حلت فيها البلاد في الرتبة 76 دوليا، وحازت معدل 0.757؛ على اعتبار أن البلدان التي تحرز نقطة الصفر هي الأكثر أمانا.
وفي سياق مساعيها لمحاربة التطرف ومحاصرته، برز تحول آخر بالتركيز على تفكيك الخطاب المتطرف لدى الإسلاميين المتشددين القابلين لإعادة التأهيل، وذلك من خلال إطلاق المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في العام 2017، برنامج "مصالحة"، الذي يشرف عليه مختصون وكوادر دينية، ويستهدف سجناء مدانين في قضايا التطرف والإرهاب من خلال التركيز على ثلاثة محاور: المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثم مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون، للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.