حكاية جريمة
المال القذر للمخدرات
في سنة 2003 شهدت مدينة الفنيدق الساحلية مواجهات شرسة بالأسلحة النارية بين عصابتين ،ما عجل بسقوط عدد من كبار بارونات التهريب الدولي للمخدرات، لتصاب بورصة الحشيش بانهيار حاد، هوى معه سعر الكليو غرام من مسحوق الشيرا الخالص المعروف ب”الطبيسلة” من 7000 آلاف درهم إلى 1500 درهم.
المواجهة وقعت تماما كما يحدث بين “كارتيلات” المخدرات في أميركا اللاتينية من استعمال مكثف للنيران، ومطاردة بين السيارات، وملاحقة لبعض المهاجمين، قبل مداهمة مستشفى للبحث عن بعض الجرحى قصد تصفيتهم، ما جعل المغرب يهتز، و أعين السلطات بالمنطقة تفتح رغما عنها، بعد أن ظلت متعامية لمدة طويلة عما يجري من نشاط محموم لتهريب المخدرات بين الضفتين، ومن تبيض لأموالها القذرة في مشاريع بمدن الشمال.
واقعة إطلاق النار التي استنفرت جميع أجهزة الدولة و مسؤوليها عجلت باعتقال أحد أبرز مفاتيح عالم المخدرات بالمغرب، بعد أن وقع منير الرماش في قبضة الأمن، ليتحول التحقيق إلى نهر جارف سحب معه عددا من كبار المسؤولين في الدرك والأمن والقضاء والجمارك، أحيلوا جميعا على محكمة العدل الخاصة، كما حصد البحث رأس إمبراطور المخدرات الشهير الشريف بين الويدان.
قبل واقعة إطلاق النار، كان الرماش الشاب الفقير الذي انطلق من بيع السجائر بالتقسيط، يتحكم في جزء مهم من إمبراطورية الحشيش بالشمال، ويعد إسما بارزا ضمن عالم المخدرات بين المغرب و أوروبا، بعد أن تمكن من خلق شبكة كانت تعمل بشكل مكثف بواسطة زوارق مزودة بمحركات نفاثة تنقل عشرات الأطنان من الحشيش بكل حرية، بعد أن فضل المسؤولون أن يديروا ظهرهم لما يحدث، وأن يكتفوا بعد رزم الأموال التي كانت تصلهم من الرماش.
كثافة النيران التي استعملت، و طبيعة الأسلحة جعلت جميع الأجهزة الأمنية تسارع إلى اعتقال الرماش الذي وقع بالفعل في قبضة الأمن بعد محاولة هرب لم تدم طويلا، ليخضع لتحقيق كشف معطيات خطيرة حول مدى اختراق شبكات المخدرات لعدد من مؤسسات الدولة، وذلك رغم ما تم الترويج له رسميا بعد حملة التطهير التي أعقبت نشر تقرير المعهد الجيوستراتيجي حول تجارة المخدرات بالمغرب.
لم يكن الرماش لوحده من سقط بعد هذه الواقعة، فالتعليمات التي صدرت من جهات عليا كانت واضحة وأمرت باعتقال جميع المتورطين، لذا تم اعتقال غريم الرماش والطرف الثاني في المواجهات بالأسلحة النارية، ويتعلق الأمر بمراد بوزياني ما جعل باقي بارونات المخدرات يحبسون أنفاسهم خوفا من أن يتحول الأمر إلى نسخة ثانية من حملة التطهير في حين فضل بعضهم اختصار الوقت ليتسللوا خارج المغرب .
بعد اعتقال الرماش شعر عدد من سكان المنطقة ممن كان لهم احتكاك مباشر معه بالصدمة والحزن، فرغم اقتران اسمه بعالم الجريمة والمخدرات فإن عطفه على الفقراء جعله يحظى بشعبية جارفة خاصة بالأحياء الشعبية، ما خول له القدرة على التحكم في التوازنات السياسية بالمنطقة من خلال الحسم في أسماء الناجحين في الانتخابات والمرشحين لها من خلال منح التزكية، وهو ما جعل التحقيق يمتد لبعض المنتخبين إلى جانب قضاة ورجال أمن ودرك وجمارك جرفتهم المحاكمة، ليجدوا أنفسهم رهن الاعتقال بتهم ثقيلة