الرداءة، وأجواء الفوضى، والتراشق الكلامي، والخطاب السياسي الضحل، الذي ميز أول جلسة لمجلس النواب بعد الدخول السياسي، هي نتيجة طبيعة لعجز الأحزاب عن إنتاج نخب حقيقية.
نخب لها تكوين، و وعي و تدرج و انتماء سياسي صريح، في ظل الهرولة لتزكية أصحاب الشكارة والأعيان و “الجوكيرات” الانتخابية ضمن موجة “الترحال”.
لقد سبق لوالي بنك المغرب أن أثار أمام الملك أزمة النخب التي تعاني منها البلاد لعقود، في ضل هيمنة نفس الوجوه التي راكمت الفشل والفضائح مستفيدة من إعادة تدوير المناصب، وتوزيعها كريع وهدايا مجاملة، وإسقاط المحاسبة والمساءلة.
والي بنك المغرب قال للملك بلغة مباشرة أن تحدي تمويل الأوراش التي طرحت لمواجهة العجز الذي تغرق فيه البلاد قد يحل، لكن هناك تحدي رئيسي يتعين رفعه، ويتعلق ببروز “نخبة قادرة على إدارة الاوراش” بعيدا عن التردد والتسويف.
والواقع أن الرجل أعاد فقط التذكير بأزمة تفاقمت اليوم بفعل عودة نفس الوجوه للواجهة، بعد أن اعتبر الجميع نفسه غير معني إطلاقا لا بما ورد في تقرير الجواهري، ولا بما سبق و أن نبه إليه الملك قبل ثلاث سنوات حين شدد على ضرورة تجديد النخب.
اليوم بات واضحا وجود أزمة عميقة تجثم على المشهد السياسي…
أزمة إنكارها لن يزيدها إلا استفحالا أمام الانتظارات المتراكمة للمغاربة، وحالة الإحباط واليأس التي بدأت تتسع، بعد أن تجاوزنا مرحلة الشك والتشكيك، ووصلنا إلى انعدام الثقة، وهي الثقة التي يتباكى عليها معظم السياسيين دون أن يقوموا بأدنى مجهود لاسترجاعها.
وضع كان متوقعا في ضل انفصال الأحزاب والمثقفين والنقابات عن هموم الشارع ، و انعدام جريان النخب، و استمرار نفس الأسماء التي عافها المغاربة في التحكم بمفاصل هيئات كان يحسب لها ألف حساب، قبل أن تتحول اليوم إلى مجرد “تابع” أو “شركة مناولة”.
وجوه صارت تغرق في امتيازات المناصب، وترفل في الريع السياسي وتدافع عنه بكل شراسة دون أن تجد حرجا في ادعاء الترافع عن ضرورة الإصلاح ، وتحصين حقوق المغاربة.
وجوه صار مطلوبا منها وبإلحاح أن تتحلى بالقليل من الحياء، وتركن لتقاعد سياسي، حتى تفسح المجال لمن يحملون هم هذا الوطن فعلا.