أصدرت الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان تقريرها السنوي لسنة 2019 .
وجاء في التقرير الذي نشره موقع الجماعة، “في غياب وضع وتنفيذ سياسات تنموية حقيقية تولد الثروة وترفع مستويات النمو، اتجهت الدولة إلى الاقتراض من أجل تلبية الاحتياجات التمويلية للخزينة وأساسا تمويل خدمات الدين. فمع نهاية سنة 2018، ناهز حجم الدين الاجمالي العمومي تسع مئة مليار درهم (95 مليار دولار)، أي بمعدل 81.4% من الناتج الداخلي الخام، مما جعل هذه السنة الاقتصادية سنة مديونية بامتياز. وقد كشفت بيانات رسمية لوزارة الاقتصاد والمالية في 2019 عن أن الدين الخارجي بلغ 35.2 مليار دولار. وهو ما يهدد الاقتصاد المغربي بالسقوط في دوامة الاستدانة من أجل تسديد ديون سابقة، مما يفرض على الفئات الشعبية الفقيرة والمتوسطة تحمل عبء تسديدها عبر سياسات التقشف، وإغراق الأجيال القادمة بديون لا تحتمل، أو طلب إعادة الجدولة”.
وتضيف الدائرة السياسية للجماعة “وهكذا بات المغرب يعتمد بشكل مفرط على المديونية الداخلية منها والخارجية، مما يدل على مدى عجز الدولة عن توفير موارد مالية تغطي تطور نفقاتها. وهذا من شأنه أن يخلف آثارا سلبية على مستوى التنمية الاقتصادية على المدى البعيد ويجعل السياسات الاقتصادية رهينة لإملاءات صندوق النقد الدولي وكذا المانحين والمقرضين وعلى رأسهم البنك الدولي، مع ما يعنيه ذلك من فقدان المغرب لسيادته على القرار الاقتصادي والمالي الوطني”.
“أمام ارتفاع تكاليف الديون مقابل الميزانيات الاجتماعية الرئيسية، واسترضاء للوبيات الفساد والمصالح الخاصة، وعوض أن تلجأ الدولة إلى مباشرة إصلاح جبائي حقيقي وعميق بغرض إقامة نظام ناجع وعادل، عمدت إلى رفع مستويات التضريب، وتوسيع القاعدة الضريبية والحد من كتلة الأجور والزحف على عدد من الامتيازات الاجتماعية في الوظيفة العمومية وممارسة التهميش على الفئات الضعيفة” تقول الجماعة .
وتتابع الجماعة “في الوقت الذي يتفاقم الدين العمومي بدعوى تحقيق المشاريع المهيكلة والاستراتيجيات القطاعية، فإن الواقع يؤكد أن أغلب المشاريع لا تحقق الأثر الاقتصادي والمالي والاجتماعي المنتظر منها لأنها تصرف على تمويل استثمارات غير منتجة، تشكو غياب النجاعة ولا تنعكس لا على مستوى معدلات النمو، ولا على مستوى التشغيل بالنظر للمستويات المرتفعة للبطالة، خاصة بطالة الشباب وأصحاب الشواهد العليا. وهو الواقع الذي اعترف به الملك حينما دعا إلى تجديد النموذج التنموي المغربي”.
واستغربت الجماعة ” إقدام المغرب على منح مساعدات وعطايا ومنح لدول أخرى، كما هو الحال في تقديمه مساهمات مالية لإعادة ترميم كاتدرائية نوتردام دوباري بالعاصمة الفرنسية باريس، فضلا عن مساعدات أخرى تسلم لدول إفريقية عديدة”.
وتشدد الجماعة “إن فشل النموذج التنموي ناتج عن الاختيارات اللاشعبية للدولة التي لم تقم بالإصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية لإقلاع تنموي يولد الثروة ويوزعها بشكل عادل. فعلى الرغم من توفره على ثروات معدنية مهمة كالفوسفاط والذهب والفضة وغيرها، ما زال المغرب يعاني من اختلالات كبرى أضحت بنيوية، تتمثل أساسا في احتكار شديد للثروة في يد العائلات النافذة التي استفادت أساسا من الريع والتوزيع غير العادل للأراضي والثروات والامتيازات”.
” تؤكد تقارير دولية أن المغرب يتربع على قائمة دول شمال إفريقيا من حيث التفاوتات الاجتماعية، حيث تتكدس الثروات في أيادي أقلية مستفيدة من تغول ظاهرة الفساد. وتؤكد تقارير دولية أخرى أن الفساد وسوء الإدارة يعتبران من العوامل الأساسية في عرقلة الاستثمار وإنتاج الثروة بالمغرب. وقد أدت هذه الوضعية إلى استمرار اغتناء الأغنياء وتفقير ممنهج لشرائح واسعة من المجتمع، وهو ما كشفه تقرير لمنظمة العمل الدولية سنة 2019 الذي بني على دراسة “حصص دخل العمل وتوزيعه”، حيث قال إن أغنياء المغرب ازدادوا غنى مقابل تراجع مداخيل الفقراء، مشيرا إلى أن 50% من نسبة الدخل تذهب إلى 10% الأغنى. وقد نجم عن ذلك احتجاجات اتخذت أشكالا غير مسبوقة وعمت مختلف المناطق، وخصوصا الهامشية منها” تقول جماعة عبد السلام ياسين في تقريرها .
وتعتقد جماعة العدل والإحسان في تقريرها السنوي ” أن حسن استعمال الملك العمومي من ثروات بحرية كالصيد في أعالي البحار وباطنية من مناجم كالفوسفاط ومعادن كالذهب والفضة وغيرها، يمكن أن تشكل رافعة مهمة لتمويل ميزانية الدولة. غير أن استغلال هذه الثروات من طرف الدولة أو الخواص لا يخضع لمعايير الجدوى والمردودية. كما تعمه كل أشكال الريع سواء تعلق الأمر بالدولة أو المؤسسات التابعة لها أو الخواص. بموازاة ذلك، يلاحظ انحسار كبير للفرص المتاحة لباقي الفاعلين والمستثمرين الصغار، زاده تفاقما التضييق الممنهج وآفة البيروقراطية والفساد والرشوة”.