الدارجة المغربية هي"مجال للتوارد بين الأمازيغية والعربية"، عبارة نشرها المفكر والمؤرخ المغربي، محمد شفيق، سنة 1999، في كتاب يقدم من خلاله الكثير من الأمثلة عن علاقة العربية والأمازيغية بالعامية المغربية.
ولا شك أن للسان المغربي لهجات كثيرة ومتنوعة، تختلف من منطقة لأخرى، إلا أن أغلب مفرداتها تُستمد من الأمازيغية والعربية، لكن يبقى معظم المغاربة يتواصلون بالداريجة المغربية، وهي اللهجة التي تشد الرحال لمختلف بقاع العالم، مع انتشار سفرائها في المهرجانات والمحافل سواء عن طريق السينما وكذلك بالنسبة للراب وغيرهم من الفنون، التي تستعمل لسان المغاربة لإيصال رسائلها الفنية .
"الداريجة" بأعين العالم
وإذا كان المشارقة يرون في الداريجة المغربية، صعوبة في النطق وكذلك الاستعمال في الحياة العادية، وهو الأمر الذي لم ينكره الباحث المغربي خالد التوزاني، الحاصل على الدكتوراه في اللغة العربية، الذي عزى صعوبة اللهجة المغربية مقارنة مع اللهجات العامية في الدول العربية الأخرى، إلى كثافة حضور بعض الظواهر الصوتية مثل قلب الضاد طاء، وغيرها من من الحروف، إلا أن عبد الرزاق أموزون المعروف فنيا بـ"الراق" كان له رأي اخر، وذلك في مشاركته بكأس العالم لـ"الصلام" الذي أقيم بالعاصمة الفرنسية باريس .
وفي الوقت الذي ألقى فيه المشاركون من كل بقاع العالم قصائدهم، في البطولة الدولية، بلغات بلدانهم بين الإنجليزية والإيطالية والفرنسية، بالإضافة للعبرية وغيرها من الألسنة الحية، اختيار الراق كان إلقاءه القصائد بلغة الضاد لكن بلسان المغاربة، وهو الأمر الذي أقنع به المصوتون، حائزا عن المرتبة الثالثة في المسابقة الدولية .
"الصلام" كما يجب أن يكون
الرتبة الثالثة لـ"الراق"، في بطولة العالم، تراها الفعاليات المهتمة بالشأن الثقافي، ليس رتبة فقط لعبد الرزاق أموزون، بل للمغرب وللداريجة المغربية، بالإضافة لـ"الصلام"، وإيصاله للمتتبع المغربي كما يجب، عكس الترويج لمصطلحات مخالفة لأصل هذا الفن الكلامي .
المتتبعون للشأن الثقافي وكذلك اللغوي، يعتبرون أن وصول "الراق" للرتبة الثالثة في بطولة العالم لـ"الصلام"، هو انتصار للدارجة المغربية، وذلك في منافستها مجموعة من اللغات عبر العالم، دون الإغفال على الجانب الإبداعي الذي أشاد به الحاضرون، الذي تضمنته قصائد أموزون في المسابقة .
ذات المصادر، تشير إلى أنه في الوقت الذي تحاول مجموعة من الجهات سواء عن قصد أو غير ذلك، إخفاء اللهجة الدارجة، وذلك من خلال مزجها باللغة الأجنبية الأولى، أو مصطلحات بالعربية الفصحى، في السينما أو المسرح، يبقى الجانب المشرق هو فناني الراب والشعراء ليكونوا سفراءا للسان المغربي .
سفراء "الدارجة"
زنيب حروشي، الأستاذة الجامعية المتخصصة في علوم اللغة، ترى أن بداية كلمات الدارجة المغربية بالساكن، من أهم العراقل التي يجدها المشارقة مع اللهجة المحلية، وفي نفس الوقت تعد من أهم المعايير التي لا توجد في باقي اللألسنة العربية .
الأستاذة الجامعية، تضيف كذلك أن الدارجة تبقى "محكورة" في المشهد، مشيرة "أن هناك بعض الأفلام نجد الدارجة ممزوجة بمصطلحات بالعربية الفصحى، وكأنهم يريدوني إصلاح وجه اللهجة المغربية ".
المتحدثة تتابع تصريحها، أنه باستثناء مجموعة من المخرجين السينمائيين الذين مازالوا متشبثين بالدارجة المغربية، يبقى فنانو الراب هم السفراء الأبرز للأخيرة، وكذلك بالنسبة لـ"الصلام" كما هو الشأن بالنسبة للراق مؤخرا .
"اللسان المغربي" في بلاد موليير
المشاركة المغربية بالدارجة المحلية ، هي الأولى من نوعها في مسابقة دولية لـ"الصلام"، وهو فن كلامي يطرح مواضيع مختلفة وواقعية، اجتماعية منها وثقافية وكذلك سياسية، يتم تناولها بحرية وبدون قيود، ويعتمد على المهارة الخطابية وقوة الكلام، وأحيانا يكون الكلام كوميديا، ويكون الحكم هو الجمهور الذي يقيم القصيد وكذلك طريقة إلقائها وغيرها من المعايير، إلا أن الجمهور والقصيدة والخشبة تعد أساسا لـ"الصلام" .
تمثيل الراق الحاصل على الرتبة الثالثة في بطولة العالم بعد "الصلامور" الإيطالي وكذلك الإيفواري، أتت بعد وصافة بطولة المغرب، ليتم اختياره لتمثيل المغرب في بطولة العالم، باعتباره يؤدي قصائده باللغات الدستورية (الرسمية) للمغرب .
ويذكر أن بطولة المغرب لـ"الصلام"، كانت من تنظيم "صلام ماروك" وهو تنسيق يرعى الشأن الثقافي في المغرب عموما، والفن الكلامي المذكور على وجه الخصوص، وذلك برئاسة الشاعرة فاتن مبسط .
مشاركة بـ"الصدفة"
مبسط تقول أنه في البداية "كنا على علم بكأس العالم للصلام، ولكن تعين علينا في البداية، تنظيم بطولة وطنية للفن الكلامي، وذلك ما وقع بجهود فردية مكثفة، طارقين قصد ذلك مجموعة من الأبواب بعضها فتح وكثير منها تم إغلاقه لسبب أو لآخر" .
تضيف الفاعلة الثقافية في تصريحها، "بعد البطولة الوطنية التي كانت في قبل بداية جائحة فيروس "كورونا" المستجد، وإفراز المسابقة لثلاثة مراكز في المقدمة، تواصلت حينها مع الجهة المنظة لكأس العالم لـ"الصلام" بالعاصمة الفرنسية باريس، من أجل تمثيل المملكة في البطولة الدولية ".
"الراق" الذي حل ثالث في البطولة الوطنية، لم يكن أنذاك مرشحا لتمثيل المغرب في بطولة العالم، باعتباره حل وصيفا في البطولة، لكن الجهات المنظمة للبطولة الدولية وضعوا شرطا أساسيا للمشاركة هو القصائد يلزم أن تكون باللغة الدستورية للبلاد، وحول هذا تقول مبسط، "بعد رفض مشاركة التازي باعتبار قصائدها كانت بالفرنسية، وهو الأمر الذي دعانا من أجل تقديم الراق كممثل للمغرب" .