في سياق تتبع الصحافة العسكرية الإسبانية لمسار تحديث الترسانة المغربية، برزت المنظومة الدفاعية البرية للمملكة كأحد أبرز محاور الاهتمام، بالتوازي مع التطوير المتواصل لقدراتها الجوية والبحرية.
ويأتي هذا الاهتمام عقب انتقال المغرب من مرحلة الاقتناء إلى مرحلة التصنيع، عبر شراكة صناعية مع مجموعة Tata Advanced Systems الهندية، تُوّجت بتسليم الدفعة الأولى من المدرعات القتالية ثمانية الدفع WhAP 8×8 المصنعة محليًا.
ووفق تقارير إسبانية متخصصة، فإن هذه الخطوة تعكس دخول أحد أهم برامج تحديث القدرات البرية للقوات المسلحة الملكية مرحلته العملية، لاسيما بعد شروع المصنع الجديد بمدينة برشيد في الإنتاج الفعلي. وكانت الشركة الهندية قد أعلنت، عبر حسابها الرسمي على منصة “إكس”، أن تصنيع الدفعة الأولى تم داخل هذه الوحدة الصناعية التي جرى تدشينها في شتنبر الماضي، في إطار اتفاق صناعي يؤسس لخيار الإنتاج المحلي.
وبحسب موقع “إلديباتي” الإسباني، المحسوب على دوائر قريبة من الجيش الإسباني، فإن إدماج مدرعات WhAP 8×8 يشكل بداية اعتماد منصة قتالية متعددة المهام ضمن منظومة تسليح الجيش المغربي، بما يعزز قدراته على الحركة والحماية والانتشار السريع.
ويضع التقرير هذه الخطوة في سياق مقارنات مع برنامج المدرعة الإسبانية “دراغون” ثمانية الدفع، الذي واجه تأخيرات وصعوبات صناعية، دون الجزم بتفوق تقني لأي من المنصتين.
وتصنف WhAP 8×8 ضمن العربات القتالية الحديثة ذات العجلات، المصممة للعمل في بيئات عملياتية متنوعة، سواء في النزاعات التقليدية أو غير المتناظرة.
ووفق المعطيات التقنية المعلنة من الشركة المصنعة، تتوفر المدرعة على منظومة طاقة مدمجة، وناقل حركة أوتوماتيكي، وقدرات على الطفو والدفع، ما يمنحها مرونة تشغيلية عالية في تضاريس مختلفة.
ومن الناحية العسكرية، تمثل هذه المدرعات إضافة نوعية لقدرات القوات البرية، إذ تسهم في تحسين سرعة نشر الوحدات الميكانيكية، ورفع مستوى حماية الأفراد في البيئات عالية الخطورة، فضلا عن دعم استدامة العمليات بفضل توفر إمكانيات التصنيع والصيانة محليا.
كما يتيح هذا التوجه هامشا أكبر من الاستقلالية اللوجستية، ويحد من الاعتماد على الخارج في ما يتعلق بقطع الغيار وخدمات الصيانة.
ويكتسي البعد الصناعي للمشروع أهمية خاصة، باعتبار أن تصنيع WhAP 8×8 داخل المغرب يندرج ضمن رؤية استراتيجية تروم تطوير منظومة وطنية للصناعات الدفاعية، قائمة على نقل التكنولوجيا وبناء الكفاءات المحلية، عبر شراكات مع فاعلين دوليين. ووفق مقاربة الجيش المغربي، لا يقتصر هذا الخيار على تلبية الحاجيات الراهنة، بل يهدف، على المدى المتوسط، إلى إرساء أسس صناعة دفاعية قابلة للتطور والمساهمة في الابتكار.
عمليا، تتميز هذه المنصة القتالية بقابليتها للتجهيز وفق مهام متعددة، من بينها نقل المشاة، وقيادة العمليات، والاستطلاع، والإخلاء الطبي، وتقديم الدعم الناري، ما يجعلها أداة مرنة قابلة للتكييف مع متطلبات تشغيلية وعقائدية مختلفة.
وترى القراءات الإسبانية أن تسليم الدفعة الأولى يؤشر على انتقال البرنامج من مرحلته الصناعية الأولية إلى مرحلة الإدماج التدريجي في الخدمة، عبر اختبارات ميدانية لتقييم الأداء وضبط مساطر التكوين والصيانة.
ويحمل المشروع، في مجمله، بعدا استراتيجيا يتجاوز الجوانب التقنية، إذ ينسجم مع سياسة المغرب الرامية إلى تعزيز سيادته الصناعية في مجال الدفاع، وتقوية شراكاته الدولية على أساس تبادل المصالح ونقل الخبرات. ومن المرتقب أن يتواصل تنفيذ البرنامج بتسليم دفعات إضافية، إلى جانب توسيع القدرات الصناعية المرتبطة بتجميع وصيانة وتطوير هذه المنصة داخل التراب الوطني.
وكانت القوات المسلحة الملكية قد تسلمت، خلال هذا الأسبوع، الدفعة الأولى من مدرعات WhAP 8×8 المصنعة محليًا بمصنع Tata Advanced Systems في برشيد، الذي دشنه وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ في شتنبر الماضي، بحضور الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، ووزير الصناعة والتجارة رياض مزور. واعتبر المسؤول الهندي حينها أن المشروع يشكل “فصلا جديدا” في الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، معربا عن امتنانه للملك محمد السادس وللحكومة المغربية على دعم هذا التعاون، ومؤكدا أن المصنع سيشكل مركز تميز في البحث والتصميم والصناعة الدفاعية، واستقطاب الكفاءات وتحفيز الابتكار بما يعود بالنفع على الطرفين