كشف المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، في ورقة تحليلية حديثة، عن اختلالات بنيوية رافقت مساري مخطط المغرب الأخضر وبرنامج الجيل الأخضر، معتبرا أن النموذج الفلاحي المعتمد أفرز تناقضات واضحة انعكست مباشرة على الموارد المائية والأمن الغذائي الوطني.
وأوضح المركز أن جذور هذه الاختلالات تعود إلى ما قبل سنة 2008، حين كان القطاع الفلاحي يقوم على ازدواجية هيكلية مزمنة، إذ تم تركيز الفلاحة العصرية الموجهة للتصدير داخل الدوائر السقوية الكبرى، مقابل استمرار الفلاحة التقليدية المعاشية في الارتهان للتساقطات المطرية وضعف المردودية، وهو ما عمّق هشاشة أوضاع صغار الفلاحين وكرّس التفاوتات المجالية.
وسجلت الورقة أن السياسات الفلاحية السابقة اعتمدت بشكل أساسي على سياسة السدود منذ ستينيات القرن الماضي، دون إرساء منظومة فعالة لترشيد استعمال المياه، مع تركيز كبير على زراعة الحبوب، ما جعل الإنتاج الوطني شديد الارتباط بتقلبات المناخ وتوالي سنوات الجفاف، في سياق تميز أيضا بضعف الاستثمار الخاص وغياب رؤية استراتيجية مندمجة.
ورغم الإقرار بما حققه مخطط المغرب الأخضرمن نتائج اقتصادية، من حيث جذب استثمارات مهمة، وخلق فرص شغل، وتحديث التقنيات الفلاحية، ورفع حجم الصادرات الفلاحية إلى مستويات قياسية، فإن المركز اعتبر أن هذه المكاسب أخفت خلفها اختلالات عميقة، خصوصا في ما يتعلق بتدبير الموارد المائية والعدالة الاجتماعية داخل القطاع.
وفي هذا الإطار، نبهت الورقة إلى اختلالات شابت تنزيل برامج السقي الموضعي، رغم حجم الدعم العمومي المخصص لها، مع تسجيل حالات إعادة تدوير مخصصات مالية قديمة وتقديمها للرأي العام كإعانات جديدة، ما يثير تساؤلات حول شفافية الحكامة المالية ونجاعة التدبير.
كما حذر المركز من تنامي الضغط على الموارد المائية بفعل التوسع في الزراعات ذات البصمة المائية المرتفعة، مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر والحوامض، وهو ما أدى إلى استنزاف مقلق للفرشات الباطنية، خاصة في مناطق تعاني أصلا من إجهاد مائي حاد.
وسجلت الوثيقة اتساع الفوارق بين الفلاحين الكبار، الذين يستفيدون بشكل أكبر من آليات الدعم العمومي، وصغار الفلاحين الذين تزداد هشاشتهم سنة بعد أخرى، مع غياب اعتبار كافٍ للأبعاد البيئية وللزراعات المعيشية الأساسية، التي تشكل دعامة مركزية للأمن الغذائي الوطني.
وفي السياق ذاته، اعتبر المركز أن المغرب بات يصدر ما وصفه بالمياه الافتراضية عبر منتجات فلاحية موجهة للتصدير، في وقت تواجه فيه البلاد مستويات غير مسبوقة من شح المياه، ما يجعل هذا التوجه خيارا محفوفا بالمخاطر الاستراتيجية على المدى المتوسط والطويل.
أما بخصوص برنامج الجيل الأخضر، فرأى المصدر ذاته أنه جاء حاملا لأهداف تصحيحية، من خلال السعي إلى تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، ودعم الطبقة الفلاحية الوسطى، وإدماج الشباب، وتوسيع استعمال الرقمنة، غير أن وتيرة التنفيذ ما تزال بطيئة، في ظل استمرار التحدي المائي كأكبر عائق أمام تحقيق الأهداف المعلنة لهذه الاستراتيجية الفلاحية.