خطاب وزير الداخلية المغربي لفتيت أمام مجلس النواب يؤكد أن الدولة عازمة على تأمين الانتخابات المقبلة من أي فساد.
ولا مبالغة في شيئ ان تشكل محطة الانتخابات التشريعية المقبلة محطة فارقة في مسار الإصلاحات الدستورية والسياسية والقانونية والأخلاقية التي يعرفها المغرب في ظل سياق وطني يعاني منه المواطن أشكالا من الفساد وفي مقدمتها الفساد الإنتخابي.
في هذا الصدد، نقول هناك أكثر من مؤشر يوحي بأن تعديلات مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25، الذي قدمها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أمام مجلس النواب، لا تندرج في خانة التعديلات التقنية المحضة، بل إنها تشكل مشروعا استراتيجيا جوهره الأساس استرجاع الثقة بين المواطن والفعل الانتخابي ومحاربة كل أشكال الفساد .
الخطاب القوي والصارم لوزير الداخلية بمجلس النواب فيه رسائل قوية لمن يهمه الأمر، مفادها انه حان وقت نهاية زمن التساهل والتهاون مع الفساد الانتخابي الذي أنخر المؤسسات التشريعية والتنفيذية، ،وبأن مغرب سنة 2026 لن يقبل الا مؤسسات ونخب تفرزها صناديق الاقتراع بطرق ديمقراطية تكون في مستوى مغرب جلالة الملك محمد السادس الذي أدخله في خانة الدول الصاعدة عربيا وقاريا ودوليا.
وبالمناسبة ، فالقوانين المتعلقة بالانتخابات التشريعية المقبلة ،هي من ستحدد خارطة طريق مغرب ما بعد 31 أكتوبر كما قال جلالة الملك بمناسبة القرار الاممي رقم 27- 97 ، الأمر الذي يتطلب طرح الملاحظات التالية:
– أولا – تزامن هذه الانتخابات مع الاوضاع العامة التي يمر بها المغرب وطنيا ودوليا ،يفترض ان تشكل هذه القوانين جواب الدولة على تحديات مغرب لما بعد 31 أكتوبر، وستبرهن للراي العام الوطني والدولي عن جدية المملكة المغربية في التعاطي إيجابا مع التحديات والتطلعات والرهانات التي يفرضها مغرب لما بعد 31 أكتوبر.
– ثانيا- انها تعبير عن الوعي الشقي بتراجع منسوب الثقة بين المواطن وصناديق الاقتراع ، تراجع تدرك الدولة جيدا مخاطره ، خصوصا في ظل استمرار تبخيس الأحراب والفاعلين السياسي والمؤسسات،،هذا التبخيس يعرف الكل تداعياته على نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، وما دام المغرب تحت مراقبة العالم فنسبة المشاركة الشعبية في انتخابات 2026 ستشكل اختبارا للخيار الديمقراطي المغربي ،ومدى نجاعة الدولة في مكافحة الفساد الانتخابي، واسترجاع ثقة المواطن في المؤسسات التي ستفرزها هذه الانتخابات.
لذلك، تراهن الدولة تقديم ثلاثة مشاريع قوانين انتخابية يتعلق الأمر بمشروعي قانونين تنظيمين وقانون عادي وهم:
– مشروع القانون التنظيمي للأحزاب
– مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب
– مشروع القانون المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 11- 51 المتعلق باللوائح العامة وعمليات الاستفتاء.
والهدف منها استرجاع الثقة للمؤسسات وإعطاء جاذبية للانتخابات ومنح الفعل الانتخابي معنى ودلالة، وجعل المؤسسات المنتخبة ذات شرعية انتخابية وشعبية.
– ثالثا- جعل التحولات المجتمعية في قلب رهانات المغرب الصاعد، بعد ان أثبتت احتجاجات جيل Z ان الوسائط التقليدية: الأحزاب والنقابات أصبحت متجاوزة ، لذلك ترسخ عند الدولة قناعة مفادها حاجة المشهد السياسي المغربي لنفس جديد بمؤسسات ونخب جديدة ذات شرعية ومشروعية تفرزها صناديق الاقتراع ،وليس المال الفاسد، الامر الذي الذي سيتطلب من الدولة القيام بالقطيعة مع الممارسات السياسية والانتخابية السابقة،التي أصبحت تهدد كيان الدولة ذاتها.
-رابعا-وعي الدولة بمخاطر تداعيات الفساد الانتخابي وما ينتجه من مؤسسات وما يفرزه من نخب فاسدة توثر سلبا على الراي الوطني والدولي، وعلى هيبة المؤسسات وصورة البلاد ، في وقت حولت فيه مقاربة صاحب الجلالة المغرب لتصبح دولة ذات مهابة وإعجاب وتقدير عربيا افريقيا ودوليا،
-خامس- إرادة الدولة إرساء أسس منظومة قانونية صارمة تتماشى ورؤية صاحب الملك محمد السادس للمغرب الدي يريد:
مغرب موحد، يتمتع بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي،
مغرب التنمية المستدامة والمساواة،
مغرب تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والمجالية
مغرب صاعد وفاعل في محيطه الإقليمي والدولي،
مغرب لا يسير بسرعتين ،
مغرب التنمية والديمقراطية
مغرب ربط المسؤولية بالمحاسبة ،
مغرب الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة التي هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي ،
مغرب مؤسسات ونخب تفرزها انتخابات تستجيب للتحولات الفكرية والثقافية والسياسية التي يعرفها المغرب ،وللتطلعات الاجتماعية والاقتصادية التي حملتها شعارات جيل Z
مغرب الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة’
انه المغرب الذي حدد جلالة الملك محمد السادس معالمه بمناسبة عيد العرش للذكرى السادسة والعشرين جيث قال جلالته انه :’’لن يكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات’’..
مصيفا جلالته: ‘’انه آسف ان هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، ما زالات تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية.
وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية.
فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين
لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية.
لذلك ندعو إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.’’
انه المغرب الذي يريده صاحب الجلالة ، لذلك ، من المنتظر ان تحدث هذه القوانين التنظيمية والمؤطرة للانتخابات التشريعية لسنة 2026 القطيعة مع مراحل انتخابية سابقة أفرزت ولوج فاسدين إلى المؤسسات المنتخبة، مستفيدين في ذلك من ثغرات قانونية أو مسطرية او من سلطة المال او من موقف سلبي لوزارة الداخلية.
مما جعل الدولة تفرض ذاتها وهيبتها لمنع اي مرشح تلاحقه تهم أو صدرت بحقه أحكام في جرائم تمس الأهلية الانتخابية بالترشح، او متورطا في جنايات أو في سوء تدبير للمال العام، إنها فرملة قوية لكل اشكال الفساد الانتخابي وللاحراب والمرشحين الفاسذين..
انها مدونة انتخابية ثورية في بعدها الاخلاقي قبل بعدها القانوني، تهدف إلى إعادة هيبة للمؤسسات، وتجفيف منابع الفساد الانتخابي،واسترجاع نبل الفعل السياسي ، وأعادة ثقة المواطن في الفعل الانتخابي عبر التصالح مع صناديق الاقتراع.
انها مدونة انتخابية تضمن صعود مغرب يسير بسرعة واحدة لا مغرب يسير بسرعتين، مغرب التنمية والديمقراطية ، مغرب العدالة الاجتماعية والمجالية ،مغرب الكرامة حيث يثبت المغرب تحت قيادة جلالة الملك للداخل وللخارج ان مغرب الغد هو مغرب لا تساهل ،مغرب لا تهاون ، مغرب القطيعة مع الفساد الانتخابي بكل أشكاله،
لكن ، صحيح . تبقى القوانين الانتخابية أساسية في مواجهة كل الفساد الانتخابي ، لكنها وحدها غير كافية دون توفر الإرادة السياسية عند الجميع ، واقتناع المواطن بجدوى وأهمية عملية التصويت ، ومشاركته في العملية الانتخابية كآلية ديمقراطية للتغيير ومحاربة الفساد، وتوفير المناخ السليم لتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة قادرة لإفراز مؤسسات ونخب ذات شرعية ومشروعية تكون في مستوى المغرب الذي يريده صاحب الجلالة.
د. ميلود بلقاضي استاذ جامعي