جاء الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة ليشكل محطة سياسية وتنموية فارقة في مسار المغرب الحديث، إذ رسم معالم خريطة طريق جديدة ترتكز على قيم الجدية والمسؤولية والعدالة المجالية والاجتماعية. ومن خلال مضامينه العميقة، وضع جلالة الملك محمد السادس مختلف الفاعلين المؤسساتيين والسياسيين أمام مسؤولياتهم في ترجمة الرؤية الملكية إلى سياسات واقعية تستجيب لتطلعات الجيل الصاعد، وتعالج التفاوتات التي تعيق التنمية المتوازنة بين الجهات. وقد أجمع محللون سياسيون على أن الخطاب لم يكن مجرد توجيه ظرفي، بل دعوة استراتيجية لإعادة بناء الثقة في العمل السياسي وترسيخ مفهوم “البرلمان المواطِن” كفاعل في التنمية وخدمة المواطن.
د.عباس الوردي: الخطاب الملكي يرسم خريطة طريق جديدة للجيل الصاعد
أكد المحلل السياسي والأستاذ بجامعة محمد الخامس، عباس الوردي، أن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، اليوم الجمعة، “جاء ليؤسس لمرحلة جديدة في مسار التنمية بالمغرب، قوامها الجدية والمسؤولية الجماعية، واستحضار مطالب الجيل الصاعد في كل السياسات العمومية”.
وأوضح الوردي، أن العاهل المغربي “وجه بوصلة العمل السياسي والبرلماني نحو الميدان”، من خلال التركيز على قضايا ملموسة تمس حياة المواطنين اليومية، خصوصا في العالم القروي والمناطق الهشة والساحلية.
وقال الأستاذ الجامعي إن الخطاب “دعا بوضوح إلى إعادة الاعتبار للمناطق الجبلية والواحات”، معتبرا أن هذا التوجه “يعكس إرادة ملكية في تحقيق عدالة مجالية حقيقية تضمن تكافؤ الفرص بين مختلف الجهات”.
وأضاف الوردي أن الملك شدد على أن “تنمية البلاد لا يمكن أن تتحقق إلا بتكامل وتضامن فعلي بين المناطق”، وهو ما يقتضي، بحسب الوردي، “سياسة عمومية مندمجة تراعي الخصوصيات المحلية وتستثمر المؤهلات الطبيعية والبشرية”.
وبخصوص الشق الاقتصادي، اعتبر الوردي أن الخطاب الملكي “أعاد تسليط الضوء على الاقتصاد البحري باعتباره رافعة استراتيجية لخلق الثروة وفرص الشغل”، مشيرا إلى أن الملك دعا إلى “التفعيل الأمثل لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية، بما يحقق التوازن بين التنمية وحماية البيئة”.
ونبه الوردي إلى أن الخطاب الملكي “ربط بين التنمية الترابية والاقتصاد الأزرق، في إطار رؤية شمولية تقوم على الاستدامة والتوازن بين الاستغلال والحماية”، مشددا على أن “هذا التوجه يتماشى مع أهداف المغرب في الانتقال إلى نموذج تنموي أكثر عدالة وفعالية”.
أما بخصوص العالم القروي، فقد أوضح الوردي أن الخطاب الملكي “أبرز أهمية توسيع نطاق المراكز القروية باعتبارها فضاءات حيوية لتقريب الخدمات من المواطنين والحد من التوسع الحضري غير المتوازن”.
ويرى الوردي أن “الخطاب الملكي لا يقدم فقط تشخيصا دقيقا للتفاوتات المجالية، بل يرسم خريطة طريق واضحة لتجاوزها عبر تعبئة جماعية ومسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع”، مضيفا أن “الجيل الصاعد يوجد في قلب هذه الرؤية التنموية الجديدة، بوصفه محركا رئيسيا لمغرب العدالة والتكافؤ”.
د.ميلود بلقاضي:الخطاب الملكي يحدد خارطة طريق للحكومة وللبرلمان في سنتيهما الأخيرتين
وقال الدكتور ميلود بلقاضي:لقد حسم الخطاب الملكي بمناسبة السنة الأخيرة من الولاية الحالية لمجلس النواب اليوم في قضايا ذات حساسية سياسية مهمة تداولت بكثرة الأيام الاخيرة ،تتعلق بإمكانية إعفاء الحكومة او حل البرلمان او الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها بعد الشعارات التي حملت في احتجاجات جيل Z.
وتابع بالنسبة للاعضاء البرلمان : أشاد الخطاب الملكي بالعمل الذي يقوم به البرلمان سواء في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي، أو في تقييم السياسات العمومية ، كما أشاد – في نفس الوقت – بالجهود المبذولة للارتقاء بالدبلوماسية الحزبية والبرلمانية التي تخدم مصالح للبلاد، داعيا إياهم ببذل المزيد من الاجتهاد والفعالية، في إطار من التعاون والتكامل مع الدبلوماسية الرسمية.
واضاف كما حث جلالته البرلمانيين التسلح ”بروح المسؤولية، لاستكمال المخططات التشريعية، وتنفيذ البرامج والمشاريع المفتوحة، والتحلي باليقظة والالتزام في الدفاع عن قضايا الوطن والمواطنين”.
واسترسل مع نهج سياسة تواصلية مع المواطن ولا سيما تلك التي تهم حقوقه وحرياته المواطنين ، وهي ليست ”مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم أنتم، السادة البرلمانيين، لأنكم تمثلون المواطنين”.كما جاء في الخطاب الملكي .
اما بالنسبة للحكومة: فقد دعاها جلالته العمل ”بتسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، وتحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر، بما يضمن استفادة الجميع من ثمار النمو، وتكافؤ الفرص بين أبناء المغرب الموحد في مختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.”
مشيرا جلالته ان العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية يجب ان لا تكون ”مجرد شعار فارغ، ،بل توجهاً استراتيجياً بالنسبة للمغرب يجب على جميع الفاعلين الالتزام به، ورهاناً مصيرياً ينبغي أن يحكم مختلف سياساتنا التنموية، لكن شريطة ان تتسلح كل المؤسسات بثقافة النتائج، بناءً على معطيات ميدانية دقيقة، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية.”
وفي هذا الصدد ، طالب جلالته ان تسرع الحكومة في’ انجاز الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية، التي وجهها الحكومة لاعدادها ، وذلك في” إطار علاقة رابح – رابح بين المجالات الحضرية والقروية.
ويتعلق الأمر، على الخصوص، بالقضايا الرئيسية ذات الأولوية التي حددناها، وعلى رأسها:
تشجيع المبادرات المحلية والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وتأهيل المجال الترابي.”
د.خالد شيات: الملك وضع الفوارق المجالية والعدالة الاجتماعية في قلب المشروع التنموي
قال خالد شيات، محلل سياسي، قال إن مسألة التفاوت والفوارق وإن كانت مجالية أو بشرية هي محور هذا الخطاب الملكي أو هذا الخطاب الموجه إلى البرلمان، بحيث إنه ركز بشكل كبير على مجموعة من النقط من قبيل الجانب المجالي وتحديده في التفاوتات الكبيرة التي تعطي طبعا مجموعة من النتائج على المستوى الاجتماعي.
وأشار شيات في تصريح صحفي، أنه قد تم التركيز كذلك على الجانب المرتبط بالجهات وأيضا ببعض المجالات الأخرى كما هو الحال بالنسبة للمناطق الجبلية وكما هو الحال بالنسبة للسواحل وأيضا بالنسبة للمراكز القروية وما سيتبع ذلك من سياسات تعزز من الانضباط أو الارتكاز على هذه المحددات لبناء سياسات مندمجة على مستوى الرؤية الاقتصادية العادلة التي تقوم بخدمة المواطن والمواطنة بشكل عادل ومتساو
وأشار إلى أنه إضافة إلى الجانب المجالي هناك ضرورة على المستوى الإنساني، الغاية الأساسية من هذا الجانب المجالي هو الإنسان الذي يجب أن يتم إحساسه بهذه السياسات وأن يكون معنيا مباشرا بها وألا تمسه هذه الفوارق في المناطق الأكثر هشاشة.
ولفت الانتباه إلى أنه قد تم توجيه البرلمان والفاعلين السياسيين كيفما كان شكلهم، بالتحسيس بأهمية هذه السياسات التي يقوم بها المغرب والتي لا تتحمل المسؤولية فيها فقط الحكومة ولكن محاولة لإيجاد الجوانب التشريعية والقانونية التي تضبط هذه العمليات عموما على مستوى الواجب المرتبط بالمسؤوليات البرلمانية
وأبرز في معرض حديثه، أن هناك خصوصية أساسية بالنسبة لهذا الخطاب وهي محاولة ترسيخ الجانب المجالي بالمغرب ومحور السياسات العمومية التي يجب أن تستتبع باستثمارات عمومية وطنية بشكل كبير والتي لا يجب أن تكون فيها الاستثمارات محل استعمالات خاصة أو غير ذلك، وألا يتم التعامل معها في خصوصيتها وفي أهدافها الأساسية المتمثلة في بنية تحقق العدالة المجالية والاقتصادية ومن خلالها العدالة مجالية.
د.يوسف كراوي:الخطاب الملكي يكشف عن إرادة ملكية واضحة لتجديد النموذج التنموي
أبرز يوسف كراوي الفيلالي، المحلل ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن “جلالة الملك في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية أكد على أنه ما يمكنش يكون تناقض بين المشاريع الوطنية الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية القوية للمغرب التي يقوم بإنجازها تماشيا مع الاستحقاقات المقبلة، وما بين البرامج الاجتماعية التي هدفها تحسين ظروف العيش للمواطنات والمواطنين اليومية”.
وسجل الكراوي، أن “المقاربة التي يجب اعتمادها وفقا للرؤية الملكية هي مقاربة تنبني على أن هذه المشاريع الوطنية الكبرى في خدمة الوطن والمواطن، وبالتالي تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تحسين ظروف عيش المواطنين”.
وأكد جلالة الملك في خطابه، يوضح المحلل، على ضرورة أن تكون للبرامج الاجتماعية المتعلقة بالتعليم والصحة والسكن والشغل نفس الأهمية التي تكتسيها المشاريع الكبرى وما يكونش التنافس بيناتهم. يعني وجب اعتبارهما ركنين أساسيين للمجتمع المغربي وللنهوض بالتنمية في المملكة”.ولفت الكراوي، إلى أن “جلالة الملك نبه في خطابه إلى أهمية التواصل مع المواطنين للتعريف بالإنجازات في البرامج الاجتماعية في القطاعات الحيوية”.
وتابع المتحدث ضمن التصريح ذاته: “يجب على الفاعل الحزبي والحكومي أن يعرف بالمنجزات ويحرص على التواصل في كل المؤسسات التي يرتادها المواطن يعني المواطن منين يمشي مثلا المستشفى أو يمشي المدرسة أو يمشي المعهد يلقى تفاعل إيجابي ويلقى انطباع جيد عن الإدارة العمومية وعن المرفق العمومي بصفة عامة”.
إن القراءة المتأنية للخطاب الملكي تكشف عن إرادة ملكية واضحة لتجديد النموذج التنموي على أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، مع جعل المواطن في صلب كل السياسات العمومية. فالملك، من خلال لغته الهادئة والحازمة، أعاد توجيه البوصلة الوطنية نحو العمل الميداني والمردودية، بعيداً عن الشعارات والمزايدات. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين على تنزيل هذه الرؤية في الميدان، وتجسيد “المغرب الصاعد” الذي يتطلع إليه الملك، مغرب متوازن، منصف، ومسؤول.