في مساء يوم الإثنين، تفاجأ الرأي العام المغربي بظهور إعلامي مميز لكل من وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي ،وكريم زيدان وزير الاستثمار، عبر برنامجين حواريين مختلفين، الأول على إذاعة “ميد راديو” والثاني على شاشة القناة الثانية (دوزيم).
هذا الظهور، الذي جاء في وقت كثرت فيه الانتقادات حول غياب الوزراء عن التواصل مع المواطنين، شكّل استثناءً ناجحاً، حيث قدّم الوزيران خطاباً مباشراً، مدعّماً بالأرقام والمعطيات، بلغة مفهومة وخالية من التكلّف أو “اللغة الخشبية” التي طالما انتقدها الشارع المغربي.
أداء مقنع… وانتقادات تلاحق باقي الوزراء
خلال اللقاءين، تمكن كل من زيدان والتهراوي من الدفاع عن أداء قطاعيهما بلغة واقعية، وأسلوب هادئ بعيد عن الاستفزاز أو المبالغة. وقد نال هذا الأداء استحسان عشرات النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين عبّروا عن ارتياحهم لهذا المستوى من التواصل، وطرحوا سؤالاً محورياً:
لماذا يختفي باقي الوزراء عن الإعلام، رغم ما تشهده قطاعاتهم من إخفاقات أو تحديات تحتاج للتفسير؟
بل إن البعض ذهب أبعد من ذلك، متسائلين عن جدوى تملّص بعض المسؤولين من مسؤولياتهم الحكومية بالاختباء وراء انتماءاتهم الحزبية.
مجهودات حكومية في الميدان… لكن أين التواصل؟
ظهور زيدان والتهراوي سلط الضوء على إشكال بنيوي في أداء الحكومة:
رغم الأوراش الكبرى والمجهودات الميدانية، إلا أن التواصل الحكومي لم يرق إلى مستوى التحديات. المواطن المغربي، في غياب هذا التواصل، لا يلمس التقدّم على أرض الواقع، وهو ما يُضعف الثقة ويزيد من الفجوة بين الدولة والمجتمع.
في قطاع الصحة، تحدّث الوزيرالتهراوي عن الإصلاحات العميقة الجارية، مثل الرفع من ميزانية القطاع، وتنزيل ورش الحماية الاجتماعية الملكي، وتحسين أداء المصحات الخاصة كشريك مكمل للقطاع العمومي، خاصة في ما يتعلق بتوفير الخدمات الصحية للفئات المتوسطة مقابل أداء مادي معقول.
أما الوزيرزيدان، فركّز على معطيات دقيقة بخصوص الاستثمار، وشرح التحديات والفرص المتاحة لتسريع وثيرة جذب رؤوس الأموال الوطنية والدولية، في ظل توجّه البلاد نحو تعزيز تنافسيتها الاقتصادية.
الإعلام الخاص والعمومي… يفتحان باب الأمل
اللافت أيضاً هو أن هذا الظهور تم عبر إعلام خاص (ميد راديو) وإعلام عمومي (دوزيم)، ما يدل على بوادر انفتاح حقيقي في المشهد الإعلامي، يسمح بإجراء حوارات جادة، بعيدة عن المجاملة، تسهم في تنوير الرأي العام.
غير أن هذا المسار لا يزال يحتاج إلى دعم وتوسيع، فالكثير من الوزراء لا يزالون يتجنبون الكاميرات والمايكروفونات، في وقت بات فيه التواصل واجباً وطنياً لا خياراً سياسياً.
من لا يتواصل لا يُقنع
لقد أثبت كل من كريم زيدان وأمين التهراوي أن الوزير القادر على التواصل بلغة بسيطة ومقنعة، قادر أيضاً على استرجاع ثقة المواطن، حتى في ظل وجود صعوبات ظرفية. المغاربة لا يطالبون بالمعجزات، لكنهم يريدون من وزرائهم الظهور والحديث بصراحة وشفافية عن واقع القطاعات التي يديرونها.
فالمعطيات التي قدمها الوزيران، سواء كانت مشجعة أو مقلقة، تظل أفضل من الصمت السياسي، الذي يترك الساحة فارغة لتأويلات الخصوم، وفقدان الأمل لدى فئات واسعة من الشعب.