أعلن الاتحاد الأفريقي عن دعمه لحملة تهدف إلى إنهاء استخدام خريطة “مركاتور” العالمية التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، واستبدالها بخريطة بديلة تعرض حجم قارة أفريقيا الحقيقي بدقة أكبر بحسب تقرير لوكالة روترز.
تم إنشاء إسقاط مركاتور، الذي صممه رسام الخرائط جيراردوس مركاتور، في الأصل لأغراض الملاحة، لكنه يعمل على تشويه أحجام القارات بشكل كبير؛ حيث يقوم بتضخيم مساحة المناطق القريبة من القطبين مثل أمريكا الشمالية وجرينلاند، بينما يقلص بشكل كبير من حجم قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية.
على السطح، تبدو دعوة الاتحاد الأفريقي لإنهاء استخدام خريطة “مركاتور” التاريخية خطوة تصحيحية تهدف لاستعادة كرامة القارة وإظهار حجمها الحقيقي. لكن قراءة أعمق لهذه المبادرة، التي تقودها الدبلوماسية الجزائرية سلمى مليكة حدادي من منصبها كنائبة لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، تكشف عن أبعاد جيوسياسية تشير إلى أنها قد تكون فصلاً جديداً في الصراع الدبلوماسي بين الجزائر والمغرب.
تأتي هذه الحملة في وقت حققت فيه “دبلوماسية الخرائط” المغربية نجاحات لافتة خلال العقد الأخير. فقد تمكن المغرب من إقناع العديد من الدول والمنظمات الدولية بتغيير مواقفها من قضية الصحراء المغربية، ودعم مخطط الحكم الذاتي، وهو ما تجسد في اعتماد خرائط رسمية تظهر الوحدة الترابية للمملكة كاملة. هذا النجاح الدبلوماسي شكل ضربة للمواقف الجزائرية الداعمة لجبهة البوليساريو.
من هذا المنطلق، يرى مراقبون أن الحملة الجديدة التي تروج لها الجزائر عبر الاتحاد الأفريقي لتثبيت خريطة “الأرض المتساوية” (Equal Earth) هي محاولة لفتح جبهة جديدة واستهداف الوحدة الترابية للمغرب بأسلوب غير مباشر.
فمن خلال فرض معيار عالمي جديد للخرائط، تسعى الجزائر إلى تقويض الإنجازات التي حققها المغرب، وخلق حالة من الإرباك حول الخريطة المعتمدة للمملكة.
وتطرح هذه الخطوة تساؤلات حول توقيتها ودوافعها الحقيقية. فأين كان الاتحاد الأفريقي طوال العقود الماضية عن هذا “التشويه” الذي عمره قرون؟
كما يثير هذا التحرك المفاجئ الشكوك حول ما إذا كانت القضية تتعلق فعلاً بدقة الخرائط أم أنها أداة في صراع إقليمي.
ويضيف البعد التاريخي طبقة أخرى من التعقيد، فبينما يمتلك المغرب تاريخا ضاربا في القدم كدولة أمة، فإن الجزائر كدولة حديثة تسعى لتعويض ما تعتبره “نقصا تاريخيا” عبر لعب أدوار قيادية في المحافل الدولية.
وتبدو “دبلوماسية الخرائط” الجديدة، التي تلبس عباءة الدفاع عن أفريقيا، وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وفي نفس الوقت مواجهة النفوذ المغربي المتزايد في القارة.
وهكذا، فإن ما يقدم كحملة لتصحيح خطأ تاريخي قد يكون في جوهره مناورة دبلوماسية محسوبة، تحول فيها شكل القارة على الورق إلى ساحة جديدة للصراع على النفوذ بين قطبين إقليميين.