تقاطعت مواقف أحزاب اليسار، بفصائلها المختلفة، حول مطلب مركزي يتمثل في إنهاء إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات، معتبرة أن استمرار هذا الوضع يقوض الثقة في المسار الانتخابي ويحول العملية برمتها إلى تمرين شكلي بعيد عن المعايير الديمقراطية الحقيقية.
فيدرالية اليسار الديمقراطي شددت، على لسان عضو مكتبها السياسي الطاهر موحوش، في تصريح سابق لـ”بلبريس”، على أن أي حديث عن انتخابات ذات مصداقية يظل بلا معنى إذا لم يُسبق بانفراج سياسي حقيقي يشمل إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، ووقف المتابعات بسبب الرأي، واتخاذ إجراءات عملية للتخفيف من الغلاء وتحسين القدرة الشرائية.
واعتبرت الفيدرالية أن تكرار السياسات العمومية السابقة يزرع الإحباط ويضعف الثقة في المؤسسات، داعية إلى انفتاح الحكومة على مطالب الحركات الاجتماعية وإرساء حوار مثمر مع النقابات.
وفي الجانب التقني، دعت الفيدرالية إلى مراجعة شاملة للمنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات، تشمل التسجيل التلقائي للمؤهلين بالاعتماد على قواعد البيانات الوطنية، وتقسيما انتخابيا يعتمد الجهة دائرة واحدة ونمط اقتراع باللائحة، مع ضمان تمثيلية حقيقية للنساء والشباب.
كما شددت على ضرورة حياد السلطات الإدارية وفتح الإعلام العمومي أمام كل الفاعلين، وربط المشاركة الواسعة بضبط الإنفاق الانتخابي ومحاربة شراء الأصوات، مع إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات وفق مقتضيات الميثاق الإفريقي للديمقراطية.
إلا أنه بعد موقف “الرسالة”، اتجه الحزب الاشتراكي الموحد بدوره نحو أيضا إنشاء هيئة وطنية مستقلة بدل وزارة الداخلية، مبرزا أن تجارب الاستحقاقات الماضية أثبتت أن حياد الوزارة “متوقع” لكنه تحول إلى “حقيقة”، وأن استمرار الإشراف الوزاري يكرس إقصاء ملايين المغاربة بسبب اللوائح الانتخابية.
مصادر في المكتب السياسي للاشتراكي الموحد، اعتبرت أن الاكتفاء بالبطاقة الوطنية كفيل بتجاوز هذا الإقصاء، وأن الظرف الحالي ملائم لتحقيق المطلب، منتقدا ما وصفه بـ”التناقض” المتمثل في كون وزير الداخلية يستدعي رئيس الحكومة لتقديم مقترحات حزبه.
أما حزب النهج الديمقراطي العمالي، فذهب أبعد في انتقاده، إذ أكد على لسان الأمين العام للحزب جمال براجع أن نتائج الانتخابات تبقى معروفة مسبقاً طالما أنها تجري تحت إشراف وزارة الداخلية، التي لها تاريخ في “هندسة الخريطة السياسية والتحكم في النتائج”. واعتبر الحزب أن النقاش الحقيقي يجب أن يطال الإطار السياسي والدستوري المنظم للانتخابات، لا أن يختزل في تفاصيل تقنية تخلق أوهام المشاركة، مؤكداً أن الصيغة الحالية لا تعكس الإرادة الشعبية ولا تخدم مصالح الجماهير.
وتلتقي هذه المواقف، رغم اختلاف السياقات الحزبية، عند رفض الدور المحوري لوزارة الداخلية في العملية الانتخابية، والدعوة إلى إرساء آليات مستقلة تكفل الحياد والشفافية، بما يعيد الثقة إلى صناديق الاقتراع ويفتح أفقاً أمام انتقال ديمقراطي فعلي في المغرب.