الحكومة تتجه لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة بقانون جديد
ينتظر أن تصادق الحكومة، اليوم الخميس، خلال انعقاد مجلسها الأسبوعي برئاسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، على مشروع قانون رقم 26.25، الذي يُعيد تنظيم المجلس الوطني للصحافة. هذا المشروع، الذي أعدته وزارة الشباب والثقافة والتواصل، يهدف إلى ترسيخ المكتسبات السابقة التي جاء بها القانون رقم 90.13، مع تعزيز الاستقلالية المهنية للمجلس، وتصحيح أعطاب بنيوية ظهرت خلال التجربة الحالية، خاصة فيما يخص تجديد الهياكل وضمان استمرار اشتغال المجلس في مختلف الظروف.
المذكرة التقديمية لمشروع القانون تشير بوضوح إلى أن النص الجديد لا يسعى فقط إلى تطوير الجانب التنظيمي، بل يروم أيضًا الاستجابة لمتغيرات المشهد الإعلامي المغربي، ومعالجة الإكراهات التي رافقت تسيير المجلس في صيغته الأولى. وتؤكد الوثيقة أن هذا الإصلاح ليس إجراءً تقنياً فقط، بل يدخل في صميم استراتيجية الدولة لإعادة هيكلة المشهد الصحافي بشكل يضمن الفعالية والاستقلالية والشفافية.
تعزيز استقلالية المجلس وتوسيع صلاحياته التنظيمية
أحد المرتكزات الأساسية لمشروع القانون الجديد يتمثل في تعزيز الاستقلالية الذاتية للمجلس الوطني للصحافة، باعتباره هيئة تنظيم ذاتي مستقلة عن السلطة التنفيذية، تقوم بدور محوري في تأطير الممارسة الصحافية، وتحصين أخلاقياتها، وفق ما تنص عليه الفصول 25 و27 و28 من دستور المملكة.
في هذا السياق، تم التنصيص على توسيع مجال اختصاصات المجلس من خلال إحداث سجل خاص بالصحافيين المهنيين الحاصلين على بطاقة الصحافة المهنية، وسجل خاص بالناشرين، في خطوة تهدف إلى تمكين المجلس من أدوات تنظيمية قوية لضبط القطاع بشكل دقيق وتحيين معطياته بشكل دوري.
كما تقترح الحكومة إدخال مقتضيات جديدة، من بينها إلزام المجلس بإبداء الرأي في مشاريع القوانين والمراسيم ذات الصلة في آجال محددة، مع إمكانية تقليص تلك الآجال في حالات الطوارئ بقرار من الحكومة، ما يُعد خطوة نحو تعزيز فعالية المؤسسة دون المساس باستقلاليتها. ومن بين النقاط المحورية أيضًا التنصيص على نشر ميثاق أخلاقيات المهنة والأنظمة التنظيمية التي يعتمدها المجلس في الجريدة الرسمية، بما يعزز من مبدأ الشفافية في الأداء.
آليات تمثيلية جديدة لتجاوز أعطاب انتخابات المجلس السابقة
أحد أبرز المآخذ على التجربة السابقة للمجلس الوطني للصحافة كانت في تعثر عملية تجديد هياكله نتيجة غياب مقتضيات قانونية تنظم الانتقال في حالة عدم التوافق أو عدم إجراء الانتخابات في موعدها. المشروع الجديد جاء بمعالجة صريحة لهذا القصور، من خلال استحداث آليات دقيقة لتنظيم انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين، وتخفيض شرط الأقدمية في الترشح من 15 سنة إلى 10 سنوات، في خطوة من شأنها توسيع قاعدة المشاركة وإدماج فئات أوسع من الجسم الصحافي.
أما على مستوى تمثيلية الناشرين، فقد نص المشروع على آلية انتداب تأخذ بعين الاعتبار معايير موضوعية مثل عدد المستخدمين المصرح بهم ورقم المعاملات السنوي للمؤسسات الإعلامية، بهدف إرساء تمثيلية أكثر عدالة تعكس الحجم الاقتصادي للمقاولات الصحافية، بعيداً عن منطق المحاباة أو الهيمنة المؤسساتية.
لجنة إشراف وآلية احتياطية لتفادي الفراغ المؤسساتي
استجابةً لما كشفت عنه التجربة الماضية من إشكاليات في انتقال السلطة داخل المجلس، يقترح المشروع إنشاء "لجنة إشراف" تتولى مهمة تنظيم انتخابات الصحافيين المهنيين، وضبط الحصص التمثيلية للناشرين، وضمان نزاهة العمليات الانتخابية، مع تمكين الأطراف من الطعن القضائي في آجال مضبوطة.
وفي حالة تعذر تجديد هياكل المجلس لأي سبب، يسمح القانون الجديد بإحداث "لجنة خاصة" انتقالية، يتم تشكيلها بموجب حكم قضائي ثابت، لتتولى تدبير شؤون المجلس مؤقتاً، في انتظار تشكيل مجلس جديد خلال أجل لا يتعدى 120 يوماً، بما يضمن استمرارية المؤسسة ويمنع تعطيل وظائفها التنظيمية.
تركيبة أكثر توازناً ومراعاة للمناصفة بين الجنسين
نص المشروع على أن المجلس الوطني للصحافة يتألف من 17 عضوًا موزعين على ثلاث فئات: 7 ممثلين عن الصحافيين المهنيين يتم انتخابهم مباشرة، 7 ممثلين عن الناشرين يتم انتدابهم من طرف منظماتهم المهنية، و3 أعضاء تعينهم مؤسسات دستورية، في صيغة تراعي إشراك مؤسسات الحكامة.
وفي انسجام مع الفصل 19 من الدستور، أكد المشروع على ضرورة تحقيق مبدأ المناصفة داخل تركيبة المجلس، عبر تخصيص 3 مقاعد على الأقل للصحافيات ضمن ممثلي الجسم المهني، وعدم السماح بتتابع أسماء من نفس الجنس في لوائح ممثلي الناشرين، كخطوة لتعزيز التوازن وتمكين النساء من التمثيل الفعلي داخل المؤسسة.
آليات فعالة لتسوية النزاعات وتعزيز الحكامة المهنية
طوّر مشروع القانون الجديد آليات الوساطة والتحكيم داخل المجلس، لتكون أكثر فاعلية في تسوية النزاعات التي قد تطرأ بين الفاعلين في القطاع، بهدف ترسيخ ثقافة الحوار والتوافق، وتقليل اللجوء إلى القضاء. كما تم التنصيص على تبسيط مساطر التبليغ، وضبط النصاب القانوني لاجتماعات المجلس، لتفادي حالات التعطيل وتعزيز المرونة المؤسسية.
إصلاح هيكلي يُواكب تحولات المهنة ويدعم التنظيم الذاتي
في المذكرة التقديمية لمشروع القانون، شددت وزارة الشباب والثقافة والتواصل على أن النص المقترح يأتي في سياق إصلاح أشمل لمنظومة الصحافة الوطنية، ويعكس إرادة الدولة في توفير بيئة قانونية حديثة ومستقرة، ترتكز على التنظيم الذاتي للمهنة وتكريس مبادئ الشفافية والديمقراطية.
ويرى مراقبون أن مشروع القانون رقم 26.25 يُعد خطوة متقدمة في اتجاه بناء مؤسسة مهنية قوية قادرة على التأقلم مع التحولات الرقمية والاجتماعية التي يشهدها القطاع الإعلامي، مع إرساء أسس واضحة لتمثيلية مهنية مستقلة، وهيكلة قانونية تستجيب لتحديات المرحلة المقبلة.