تستعد العلاقات المغربية البريطانية لدخول مرحلة جديدة من الشراكة المتقدمة، مع تعيين الدبلوماسي البريطاني أليكسندر جايلز بينفيلد سفيرًا جديدًا للمملكة المتحدة لدى الرباط، خلفًا لسيمون مارتن، في سياق سياسي لافت تُوج بإعلان لندن دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي للنزاع الإقليمي حول الصحراء.
وحسب ما علمته “بلبريس”، فإن السفير البريطاني المرتقب، الذي جرى الإعلان عن تعيينه في فبراير المنصرم، يُتوقع أن يبدأ مهامه رسميا في غشت المقبل، وقد شرع فعليا في تكثيف تواصله مع الجالية المغربية بلندن والمشاركة في أنشطة تحضيرية تروم تعميق معرفته بالسياق المغربي، في أفق توليه مسؤولية من المنتظر أن تعزز التعاون الثنائي في ملفات ذات أبعاد سياسية واقتصادية واستراتيجية.
ويأتي هذا التعيين عقب زيارة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إلى المغرب مطلع يونيو الجاري، والتي توجت ببيان مشترك وصف مقترح الحكم الذاتي المغربي بأنه “الحل الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتيّة” لتسوية النزاع حول الصحراء، مؤكدة أن لندن ستواصل دعم هذا التوجه على المستويين الثنائي والدولي.
ويحمل السفير الجديد سجلاً دبلوماسيا حافلاً يمتد لأكثر من عقدين، منذ انضمامه إلى وزارة الخارجية البريطانية سنة 1999، حيث تنقل بين بكين وطهران وكانبيرا وكابول، كما ترأس في السنوات الأخيرة وحدة الشؤون الإيرانية، وسبق له أن تولى ملفات الشرق الأوسط وسوريا والصين، ما يمنحه خبرة سياسية معمّقة في التعاطي مع قضايا المنطقة.
ويتوقع أن ينكب بينفيلد على تفعيل مضامين البيان الختامي للدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي بين الرباط ولندن، والذي نُظم في فاتح يونيو 2025، برئاسة وزيري خارجية البلدين ناصر بوريطة وديفيد لامي، والذي حمل إشارات قوية إلى دعم لندن المتزايد لموقف المغرب في مجلس الأمن، بالنظر لكون بريطانيا عضواً دائماً فيه.
ولم يقتصر الموقف البريطاني على الدعم السياسي، بل شمل أيضاً آفاق تعاون اقتصادي طموح، حيث أبدت “الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات” استعدادها للنظر في تمويل مشاريع تنموية في الأقاليم الجنوبية، ضمن التزامها بتعبئة 5 مليارات جنيه إسترليني للاستثمار في المغرب، ما يعكس انتقال العلاقة الثنائية إلى مستوى عملي واستثماري في صلب الملفات السيادية.
وفي السياق ذاته، جدد البيان المشترك دعم البلدين للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، والتزامهما بالمسار الأممي، مع التأكيد على ضرورة التحرك الفعّال لإيجاد تسوية نهائية لهذا النزاع الذي يعرقل الاندماج المغاربي والاستقرار الإقليمي.
واعتبرت لندن، في رسائل سياسية واضحة، أن المغرب يشكل بوابة استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا، ما يعزز من مكانته كشريك محوري في خريطة العلاقات البريطانية الخارجية، ويعكس تحولا ملموسا في الموقف البريطاني نحو دعم أوضح لمصالح الرباط الجيوسياسية.
في المجمل، تؤشر هذه التطورات إلى انتقال العلاقات بين الرباط ولندن من مستوى التنسيق التقليدي إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها المصالح السياسية مع التطلعات الاقتصادية، في ظل تطورات إقليمية ودولية تُعزز تموقع المغرب كفاعل رئيسي في التوازنات المتوسطية والأطلسية