‎تعيينات ملكية جديدة في الإدارة الترابية... هل نحن أمام تحول حقيقي في التدبير المحلي؟

في خطوة تحمل دلالات استراتيجية عميقة، أشرف جلالة الملك محمد السادس ،  الاثنين الماضي  على تعيين عدد من الولاة والعمال الجدد، في إطار إعادة هيكلة الإدارة الترابية وفق رؤية تضع الحكامة الفعالة وربط المسؤولية بالمحاسبة في صلب التدبير المحلي. هذا التعيين ، الذي تم وفقًا لأحكام الفصل 49 من الدستور، وباقتراح من رئيس الحكومة، ومبادرة من وزير الداخلية، يأتي في سياق التحولات الكبرى التي يشهدها المغرب، حيث أصبح تنزيل النموذج التنموي الجديد يفرض على الإدارة الترابية أدوارًا أكثر فاعلية وانخراطًا مباشرًا في تحقيق التنمية المتوازنة المنشودة .

واذا كانت هذه التعيينات تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة وزارة الداخلية على إحداث تغيير شامل قبل الاستحقاقات القادمة، فإنه قد بات ضرورياً تقييم الأداء الترابي وفق معايير جديدة تتجاوز التدبير التقليدي نحو منهج أكثر تفاعلًا مع الواقع المحلي،بحيث لم يعد المفهوم الجديد للسلطة يرتكز فقط على تنفيذ التعليمات، بل أصبح يستند إلى التفاعل والانفتاح على الفاعلين المحليين، من منتخبين ومجتمع مدني وقطاع خاص، بهدف ضمان انسجام أكبر في تنفيذ وتنزيل السياسات العمومية والمشاريع التنموية الكبرى على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، تبرز تجربة الجهات الجنوبية الثلاث كنموذج ناجح في التنسيق بين الإدارة الترابية والهيئات المنتخبة، حيث تمكن الولاة والعمال هناك من تحقيق تفاعل استثنائي مع مختلف الفاعلين في القطاعات التنموية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية، مما أسهم في إنجاح تنزيل النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع.

واذا كان هذا الاستقرار الإداري والاستراتيجي قد انعكس في عدم إدراج تغييرات واسعة على مستوى هذه الجهات، باستثناء عامل إقليم سيدي إفني،فهذا يؤكد مدى فاعلية مجهود رجالات الإدارة الترابية الى جانب مختلف الفاعلين في تنزيل هذا النموذج وفي تحقيق التنمية المحلية المنشودة.

الكل يعي أن العامل أو الوالي في المغرب، يلعب دورًا محوريًا في الإدارة الترابية، حيث يساهم في تنفيذ السياسات العمومية وضمان التنسيق بين الإدارات المحلية والجهوية، وقد تطورت سلطته بشكل ملحوظ بعد دستور 2011، الذي عزز مبدأ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، مما جعله أكثر انفتاحًا على الفاعلين المحليين، بما في ذلك المنتخبين والمجتمع المدني.

وحيث أن الوالي او العامل، يشرف على تنزيل سياسة اللاتمركز الإداري، والتي تهدف إلى منح صلاحيات أكبر للمصالح المحلية لضمان تنفيذ المشاريع التنموية بشكل أكثر فعالية، ورغم أن دوره يتداخل مع اختصاصات المنتخبين، إلا أن العلاقة بينهما تستند إلى مبدأ التشارك والتعاون، رغم التحديات المتعلقة بتحديد المسؤوليات والموارد المتاحة، ويضطلع بمهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار، إضافة إلى دوره في تطوير المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعله أحد الفاعلين الأساسيين في تحقيق التنمية المحلية، ومع ذلك، يواجه تحديات عدة، مثل ضعف التنسيق بين الإدارات، محدودية الموارد، والمقاومة المحتملة لبعض الفاعلين المحليين للتغيير.

وبفضل هذه التحولات، بات العامل أو الوالي في المغرب مسؤولًا عن تحقيق التنمية المستدامة وضمان تطبيق القوانين، مما يعكس الدور المتنامي لهذه المؤسسة في تدبير الشأن العام المحلي والجهوي.

لكن يبقى الرهان الأكبر في ضرورة إشراك كفاءات شابة في هذه الدينامية الجديدة، إذ يطرح تعيين سيدتين في منصب عامل خطوة مهمة نحو تعزيز حضور المرأة في مواقع القرار، وهو ما يفتح الباب أمام نقاش أعمق حول مدى استعداد الإدارة الترابية لتوسيع قاعدة الكفاءات الشابة بالإدارة الترابية، وضخ دماء جديدة قادرة على مواكبة التحديات المقبلة.

ومع اقتراب الاستحقاقات السياسية، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: هل ستكون هذه التعيينات بداية فعلية لإصلاح شامل يضع الإدارة الترابية في قلب المشروع التنموي الجديد؟ وهل ستتمكن وزارة الداخلية من تحقيق المعادلة الصعبة بين التجديد والاستمرارية، مع الاستفادة من التجارب الدولية في التدبير الترابي؟ المغرب اليوم أمام فرصة حقيقية لإعادة هيكلة الإدارة الترابية بأسلوب أكثر نجاعة ومرونة، فما القادم؟

بقلم: ابراهيم ابهوش