ذ. ادريس شحتان يكتب ...لننتبه إلى الهامش والمهمشين

ثلاثة أحداث متتالية بينها الطبيعي والاجتماعي كشفت وجود خلل ما في قلب السياسات العمومية، زلزال الحوز الذي هو قدر طبيعي كارثي كشفت قوة هزته عن وجود خصاص كبير في الهامش المنسي في الجبل المغربي خاصة، ثم جاءت ليلة أحداث الفنيدق المفتعلة، يوم 15 شتنبر الماضي، لتكشف لنا عن وجود شباب مقصي من حقل اهتمام السياسات الحكومية، لنتصور لولا يقظة أجهزة الأمن الوطني بكل تشكيلاتها، ماذا كان سيكون موقفنا كدولة اتجاه الشركاء الأوربيين في ظل تحسن علاقات الجوار لما يخدم القضية الأولى للمغاربة، وهي قضية الصحراء المغربية؟ كيف كنا سنشعر بالخجل الكبير ونحن نرى الآلاف من الشباب يرمون بأنفسهم في أحضان البحر طمعا في الوصول إلى الجهة الأخرى؟
شباب يافع جاؤوا من مختلف المدن والهوامش المغربية بعد أن غرر بهم في صفحات على الفايسبوك، مهما كان تورط خصوم المغرب فيها، يحملنا مسؤولية وجود شباب مقصي من التنمية، شباب بلا حظ من التعليم ولا دبلومات ولا تكوين، ليس لهم من حلم سوى الحريك بحثا عن رفع التهميش الذي تعرضوا له، كلنا مسؤولون عن هذا التهميش والإقصاء الذي يحسه شباب في مقتبل العمر غير موجود في دائرة القرار الحكومي، ولا عن تأطير الأحزاب السياسية بكل تشكيلاتها وتنظيماتها الموازية، الكل تخلى عن واجباته، الأسرة التي أحست بثقل تربية الأبناء وارتفاع تكلفة الحياة المعيشية جعل أغلب الأسر تتخلى عن وضع حاضنة أبنائها، إما لجهل أو لأنهم لا حول ولا قوة لهم، ثم المدرسة التي تتسبب في الهدر المدرسي للآلاف من التلاميذ، الذين يغادرونها في السنوات الأولى دون إتمام تعليمهم، ثم هناك الأحزاب السياسية التي لم تعد تقوم بدور التوعية والتأطير، وبالطبع هناك السياسات العمومية، بدءا من المنتخبين في الأقاليم والجهات التي يكثر فيها تهميش الشباب، حتى المسؤولين الحكوميين.
ثم جاءت فيضانات إقليم طاطا الكارثية، لتعري واقع الغش في البنية التحتية المنعدمة أصلا، فبعد توالي سنوات الجفاف، ترك التسيب لعملية بناء واسعة في مجرى الوادي الذي يسترجع كما يقول المغاربة مجراه الذي يملكه، من سمح بتشييد مباني على حافة الواد، هل ما تم تشييده من بنى تحتية على قلتها كان خالصا من أي غش أو فساد؟ أين هم المسؤولون المحليون من منتخبين ومستشارين ونواب المنطقة في كل ما حدث؟
لا يمكن لأي كان - في داخل المملكة كما في الخارج- أن ينكر ما عرفه المغرب طيلة ربع قرن، على مستوى التنمية وتطوير بنية تحتية ضخمة وصلت حتى إلى مدن ظلت هامشية إلى وقت قريب، لكن ما عايشناه في كارثة زلزال الحوز ونواحيه كما في فيضانات طاطا ومعها الأزمة الاجتماعية الكبيرة لحظة محاولة الحريك الجماعي في منتصف هذا الشهر، خاصة في منطقة الشمال بعد محاصرة التهريب المعيشي وعدم قدرة المشاريع البديلة على استيعاب جزء كبير من الشباب اليافع، كل هذه الأحداث كشفت عن وجود تهميش كبير للمغرب العميق، ووجود مهمشين حتى في المراكز الحضرية مقصية من حقل اهتمام السياسات الحكومية.
لا يمكن للأمن مهما كانت يقظته ونجاعة تدخله مهمة جدا للاستقرار الاجتماعي، أن يقوم بدور الفاعلين السياسيين من منتخبين في المجالس البلدية ومن برلمانيين ومن أحزاب سياسية ومن حكومة، اللذين أثبتوا غيابهم في لحظة الجد، في لحظة الأزمة العميقة، لذلك علينا الالتفات إلى الهامش وإلى المهمشين، فلم يعد ممكنا تركيز كل اهتمام السياسات العمومية على المراكز الحضرية الكبرى، لا بد من مراجعة سياساتنا من أجل تنمية متكافئة وتطور ونمو متوازن، فالمغرب لجميع المغاربة.