أكادير.. خيم المهاجرين الأفارقة.. عالم آخر يأوي الأجساد والأحلام

لا يمكن أن تتجول بمدينة أكادير، دون أن تتقاطع مع مهاجر، أو مجموعة من المهاجرين، من إحدى دول جنوب الصحراء؛ عمال في المقاهي، مساعدون للتجار في المحلات، حمالون في الأسواق، وغيرها من المهن غير المهيكلة.. وهنا وهناك، تتصادف مع متسولين أفارقة، على جادة الطريق، عند تقاطع الشوارع، أو عند إشارات المرور.

خيم شارع الحمراء.. مستوطنة إفريقية بأكادير

بإحدى زوايا شارع الحمراء، وفي الجهة المقابلة، لـ“محطة المسيرة”، بمدينة أكادير، اصطفت مجموعة من اللُحُف، على هيئة خيم أو ما يشبهها، تحت إحدى الإقامات التي تبدوا مهجورة وبلا سكان.
ويستوطن هذه الخيم مجموعة تفوق مائة مهاجرٍ إفريقي، أو ما يزيد، من دول جنوب الصحراء، اتخذوا من تلك اللُحُف مسكنا وملاذا، تقيهم حر الصيف وقر الشتاء.

 


يقول محمد، وهو شاب من أكادير، يعمل في المحطة، أنهم هنا “منذ أزيد من أربع سنوات”، وقد “كانوا في الجهة الخلفية لهذه الإقامات، لكنهم امتدوا حتى استوطنوا واجهتها، وأن أعدادهم تزداد بالعشرات”، يأتون فرادا وزرافات إلى هذه “المستوطنة الإفريقية بأكادير” كما يصفها.
ويؤكد محمد لـ“بلبريس”، أن تلك الخيم البئيسة، هي الشجرة التي تخفي غابة عالم موازي لعالم أكادير، حيث “تروج المخدرات بأنواعها، التي يتاجرون بها، وقد اعتقلت السلطات مؤخرًا أربعة منهم، بتهم الإتجار في الكوكايين”.

المغرب مجرد نقطة انطلاق لأوروبا

ليسوا جميعاً، ولكن بعضا منهم انزعج من رؤيتنا نلتقط لهم صورا، لسبب عرفنا في ما بعد أنهم يظنون أن كل المغاربة عنصريون، وأن الصحافة تأجج السلطات ضدهم.
جاء يوري، منذ ثلاث سنوات، إلى المغرب، قادما من جمهورية إفريقيا الوسطى، يحلم بوطن بديل عن وطنه، أو قل هي حكاية من آلاف الحكايا الإفريقية، التي يمكن تسميتها “حلم الهجرة إلى القارة العجوز”.
يقول في حديثه مع “بلبريس”، “عندما وصلت إلى هذا البلد، لم يكن هناك أي مهاجرين غير شرعيين في أكادير، وبدأت وفودهم تتوافد إلى هذه المدينة في العام 2016”.
والآن، فإن “الغالبية العظمى من أولئك الذين أعرفهم يريدون الهجرة إلى أوروبا، حتى لو كان لديهم وثائق مغربية، فبالنسبة لهم، المغرب هو مجرد نقطة انطلاق لأوروبا فقط”.
وتقول الحكومة المغربية أنها وثقت، منذ عام 2014 حوالي خمسين ألف مهاجر غير شرعي، جاؤوا إلى المغرب.

وفي هذا الإطار، أكد المسؤول عن الهجرة في وزارة الهجرة، خالد الزروالي، في تصريح إعلامي سابق، أن الغالبية العظمى منهم “تحترم الضيافة المغربية”، وأقلية فقط هي من “تصر على الهجرة”.
وتواجه المملكة، مع هذا، نزوحا قياسياً من أراضيها، وهي الظاهرة التي انضم إليها أيضا الآلاف من المغاربة، الذين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى أوروبا.
وحتى الـ30 من نونبر، من العام الماضي 2018، عبر عن طريق البحر والبر، 59048 شخصا، دخلوا إسبانيا بشكل غير منتظم، وفقا لإحصائيات وزارة الداخلية الإسبانية، وتعتبر الجنسية المغربية، هي الأكثر عددا بينهم، وفقا لأرقام وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

الوثائق وحدها لا تكفي في المغرب

في مناطق عدة بأكادير، وخصوصا المحيطة بمحطة المسيرة، من السهل رؤية مجموعات من المهاجرين من جنوب الصحراء.. هناك مسيحيون ومسلمون، كثيرون منهم عاطلون عن العمل، وبعضهم يشتغل، منظمين ومن دون أوراق.
غييس، مواطن من ساحل العاج، أحد هؤلاء المهاجرين الذين لديهم وثائق، يقف في ركن من أركان شارع الحمراء، ينظر في جميع الأنحاء بنظرات مثيرة للريبة.
يقول أنه في العام 2015 حصل على بطاقة الإقامة، يشهرها أمامنا “هذه لا تساعدني، في أي شيء، وفي أقرب وقت ممكن، أنا ذاهب إلى إسبانيا”.
وعلى النقيض من ذلك، يرفض صديقه الكونغولي، تيناني بابي، الذي ليس لديه أوراق، الذهاب إلى أوروبا، “لقد كنت في فرنسا لمدة أربع سنوات والحياة أغلى بكثير هناك، هنا، مقابل 200 يورو في الشهر يمكنك أن تعيش في شقة، المشكلة هي أنه لا يوجد عمل وأن المغاربة لا يعطونك أي أموال إذا كنت مهاجرا، لقد رحبنا في الكونغو بالعديد من الأشخاص الذين جاءوا من التوغو، قدمنا ​​لهم دفعات مالية في كل شهر، وهنا لا يوجد شيء مثل هذا”.

يبيع البعض منهم نظارات شمسية، والبعض الآخر حلي مصنوعة يدويا، أو بضائع إلكترونية صينية، بينما يقضي الآخرون ساعات على أرصفة البنوك المنتشرة في عاصمة سوس.
وهناك على رصيف بالقرب من أحد البنوك، وجدنا الكاميروني مامادو، 28 سنة، لديه أوراق إقامة بالمغرب، بضع دراهم معدودات، وأحلام لا متناهية.
يقول إذا سارت الأمور على ما يرام، وحصل على متجره الإفريقي الخاص في سوق “الأحد”، أكبر أسواق المدينة وأشهرها، سيكون كل شيء بخير.. ويؤكد أنه لا يكسب أكثر من خمسين درهما، في اليوم.
ويروي لـ“بلبريس”، صعوبات عن بيع بضاعته، وعن الحياة كمهاجر، “هذه الوثيقة لم تغير حياتي، وعائلتي تدعوني بالبكاء لأرسل لها المال، وأنا لا يمكن أن أرسل أي شيء، أريد فقط عبور البحر المتوسط كيفما كان”.
إلى جانبه يمشي في متاهات هذا الشارع، تاو برايان، أحد المهاجرين الذين يمارسون التسول عند إشارات المرور، مَلْجَئِهِ في كثير من الأحيان.

وقد حاول هذا الكاميروني الشاب، كما يقول، عدة مرات العبور إلى إسبانيا عن طريق القوارب، والقفز من سياج سبتة أو في شاحنة.. نام في العراء، وفي محطات للحافلات وهو ينتظر فرصته، ولا زال يحلم بالوصول إلى ألمانيا “من أجل حياة ناجحة تحيط به فيها نساء أوروبا الحسناوات”.
تاو، أحد المبعدين إلى تيزنيت، مع المئات من المهاجرين الذين تم إبعادهم عن مدن الشمال، مع حوالي 7000 آخرين الصيف الماضي، وفقاً لما تداولته الصحافة.
وبعد بضعة أيام من النوم في الشارع، يعود المهاجرون إلى المكان الذي طردوا منه، أو يهيمون في أرض المغرب، من جنوبٍ وشَمألٍ، وبعد أربعة أشهر، في أكادير، يحاول تنظيم وضعه، يقول لصحيفة “بلبريس”، بحزن المكلوم، أنه، “لا يوجد عمل، ولا يريد المغاربة استخدام السود”.

ينام مايكل منذ عدة أيام في شارع الحمراء، بين مواطنيه الأفارقة، في شبه المخيم الذي نبت في هذا الشارع كأنه زهرة برية، لأنه لا يملك المال لدفع ثمن سرير في فندق ما، ويؤكد أن كل ما يريده هو “الذهاب إلى إسبانيا، ستتحول حياتي عند الوصول إلى أوروبا، لدي الكثير من الخطط هناك”.