المغرب يجبر فرنسا على الاعتراف بالكذب في حق المغرب

أحدث المغرب شرخاً في المواقف الفرنسية المتباينة تجاه المملكة، بعدما دفع وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني إلى الرد على نفسه وتكذيب مزاعمه السابقة، ليجد نفسه أمام موقف مزدوج ومحرج أمام أوروبا والعالم. ويعكس هذا التطور قدرة المغرب على ضبط إيقاع المواقف وإعادة ترتيب العلاقات بما يخدم مصالحه الاستراتيجية.

زيارة سيجورني وتحول المعادلة

وقد شكلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني للمغرب فرصة لتسليط الضوء على قدرة المملكة على تطويع مواقف دول الاتحاد الأوروبي، التي اعتادت التعامل مع المغرب تاريخياً بعقلية الأستاذ والتلميذ منذ بواكير الاستقلال. غير أن التحولات الأخيرة أثبتت أن المغرب أصبح رقماً صعباً في المعادلة الأوروبية.

الطفرة الدبلوماسية والإصلاحات الداخلية

فخلال العقدين الأخيرين، حقق المغرب طفرة نوعية في سياسته الخارجية، قائمة على البراغماتية والواقعية، ومصحوبة بإصلاحات سياسية واقتصادية وحقوقية ودينية. وهو ما قلل من مبررات الغرب في التدخل في شؤون المملكة الداخلية، وجعلها أكثر استقلالية في قراراتها ومواقفها السيادية.

المغرب كشريك موثوق دولياً

هذا التحول جعل المغرب شريكاً موثوقاً يحظى بالمصداقية الدولية، ونقطة ارتكاز في العلاقات بين الشمال والجنوب والشرق. كما دفع عدداً من الدول الباحثة عن موطئ قدم في هذه المناطق إلى الانفتاح على المملكة، ما منحها وزناً مضاعفاً في الساحة الإقليمية والدولية.

فرنسا الخاسر الأكبر من التحولات

وبالتوازي مع ذلك، أعادت العديد من الدول بناء علاقاتها مع المغرب في إطار المصالح المتبادلة والشراكات الاستراتيجية، بينما ظلت فرنسا البلد الأكثر تأثراً بهذه التحولات، نظراً لفقدانها احتكار مصالح سياسية واقتصادية كبرى في المملكة وأفريقيا على حد سواء.

المقاومة الفرنسية وصعود الوعي الإفريقي

ولم تستوعب فرنسا بسهولة أن المغرب أصبح بلداً صاعداً ومنافساً يهدد نفوذها التقليدي في المنطقة. فقد اتجهت المملكة إلى عقد شراكات متنوعة أزاحت باريس من مواقع سيطرتها، وفتحت الباب أمام قوى أخرى، كما دعمت بروز صحوة إفريقية تسعى للتحرر من التبعية الفرنسية، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي، والقطع مع الجماعات الانفصالية والمسلحة التي تهدد استقرار القارة.

الابتزاز الفرنسي والدعاية الإعلامية

غير أن فرنسا، بدل التكيف مع التحولات الدولية وصعود قوى جديدة، لجأت إلى أسلوب الابتزاز السياسي والإعلامي. فعملت على التحريض ضد المشاريع التنموية المغربية التي قد تزيحها من مواقعها، متجاهلة أن العالم بات أكثر وعياً بالدعاية السياسية في ظل العولمة والثورة الرقمية.

الحملة ضد المغرب في البرلمان الأوروبي

وفي هذا السياق، قادت باريس حملة دعائية عالمية ضد المغرب، اتهمته بانتهاك حقوق الإنسان، بما فيها حرية الرأي والتعبير. وقد ساهمت هذه الحملة في صدور موقف من البرلمان الأوروبي يدين المملكة، وكان ستيفان سيجورني حينها أحد مهندسيها البارزين.

دور سيجورني في ملف “بيغاسوس”

ورغم نفي وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا لأي دور سلبي، فإن البرلمان الأوروبي أكد أن سيجورني كان المبادر والداعم الرئيسي للقرار منذ بدايته وحتى اعتماده. كما ارتبط اسمه أيضاً بالحملة التي استهدفت المغرب على خلفية برنامج التجسس “بيغاسوس”.

انفتاح المغرب على شركاء جدد

لكن أمام هذه الضغوط، استثمرت مجموعة من الدول الأزمة لصالحها وأبرمت شراكات استراتيجية مع المغرب، مما جعل التأثير الفرنسي محدوداً. وشمل ذلك دولاً من أوروبا الشرقية والغربية، إضافة إلى روسيا والصين ودول الخليج، وشرق وجنوب أفريقيا.

الاعتراف الدولي بالوحدة الترابية

ومع هذا الانفتاح، بدأت مواقف العديد من الدول تتعدل لصالح الوحدة الترابية للمغرب، سواء بالاعتراف الصريح أو الالتزام بالحياد، بعدما كانت تدعم الطرح الجزائري المناوئ. وقد جاء ذلك مدفوعاً بالاعتراف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما منح القضية زخماً دولياً كبيراً.

محدودية الحملات الفرنسية

ورغم الحملات التي قادها ستيفان سيجورني، أدركت فرنسا حجمها الحقيقي أمام المغرب. فلم تصل محاولات الابتزاز السياسي أو الإعلامي أو الحقوقي إلى مبتغاها، بل زادت من عزلتها أمام شبكة علاقات المغرب المتنامية.

انقلاب سيجورني على مواقفه السابقة

وقد عاد سيجورني ليعلن عكس مزاعمه السابقة خلال ندوة بالرباط، عقب لقائه بنظيره المغربي ناصر بوريطة، حيث هنأ المغرب على ترؤسه مجلس حقوق الإنسان، بعدما كان يبتزه في السابق باستعمال ملف حقوق الإنسان. وهو تحول عكس تراجعاً واضحاً عن خطاباته السابقة.

إشادة بالإصلاحات الملكية

وفي هذا الإطار، أكد سيجورني إعجابه بالإصلاحات والمشاريع التي يقودها الملك محمد السادس، والتي جعلت التنمية البشرية في صلب النموذج التنموي المغربي. كما شدد على ضرورة مواجهة التحديات بوضوح استجابة للتوجيهات الملكية، من أجل الخروج من المنطقة الرمادية للشركاء التقليديين، وتحويل الاقتصاد نحو المستقبل في عالم سريع التغير.

أوامر ماكرون وفتح صفحة جديدة

وبذلك، جاء تراجع سيجورني عن مواقفه السابقة تنفيذاً لتوجيهات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كلفه بالعمل على إعادة التقارب مع المملكة بعد أن ساهم في توتير العلاقات. وقد مهّد هذا الانفتاح لزيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي إلى المغرب، يتوقع أن تحمل بوادر اعتراف رئاسي بمغربية الصحراء.

رسائل إيجابية نحو المستقبل

كما حملت اللقاءات الترتيبية الأخيرة رسائل إيجابية من الدبلوماسية الفرنسية بشأن دعم الحكم الذاتي وطي صفحة الماضي، والانطلاق نحو مستقبل مشترك تحت إشراف قائدي الدولتين، الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون. وهو ما يعكس تحولاً تدريجياً في الموقف الفرنسي الرسمي.

الموقف المغربي الحازم

وقد شدد ناصر بوريطة على أن العلاقات المغربية-الفرنسية هي علاقة دولة بدولة، وليست مرتبطة برئيس بعينه، مؤكداً أن الاعتراف الفرنسي بالوحدة الترابية للمغرب قادم وحتمي وضروري. كما أبرز أن المغرب أصبح قطب استقرار وقوة إقليمية، وفاعلاً أساسياً في محيطه، وشريكاً مرغوباً فيه سياسياً واقتصادياً وإنسانياً بالنسبة لفرنسا.

الاعتراف الفرنسي مسألة وقت

وفي الختام، لا يمكن للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يغادر المشهد السياسي من دون معالجة التصدعات الدبلوماسية السابقة، إذا أراد ترك إرث إيجابي للعلاقات الثنائية. فالمؤشرات القادمة من اليمين الفرنسي تجاه المغرب إيجابية، والاعتراف بالوحدة الترابية للمملكة يبدو اليوم قرار دولة لا يقبل مزيداً من التأجيل.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *