خريطة المغرب في مكتب الرئيس البرازيلي.. دلالات عميقة وموقف رسمي حكيم
نشر كاتب الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، عبر حسابه الرسمي في منصة "X"، صورة تجمعه ب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا؛ من داخل مكتب هذا الأخير؛ وخلفهما لوحة لخريطة العالم، تتضمن خريطة المغرب كاملة دون خط يفصله عن أراضيه الجنوبية.
ما يؤكد استقرار الموقف البرازيلي في دعم الوحدة الترابية للمملكة، وثبات الموقف البرازيلي الرسمي، رغم توالي حكومات من مختلف الفرقاء السياسيين، باختلاف ألوانهم.
وفي هذا الإطار، تعود بنا الصورة إلى الوراء، لاستحضار ما جاء على لسان عضو مجلس النواب النائب الفيدرالي البرازيلي تياو ميديروس في ماي الماضي لـ 2023؛ حيث أكد على دعم البرازيل لمقترح الحكم الذاتي، الذي يعتبره المجتمع الدولي جدياً وعملياً وذا مصداقية؛ ومنسجماً مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وسبق لمجلس الشيوخ البرازيلي في يونيو 2023؛ أن اعتمد ملتمسا لدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء المغربية؛ من قبل 28 عضوا من تلاوين سياسية مختلفة؛ وتقديم دعم أكثر تعبيرا للجهود الجادة والموثوقة للمملكة، في البحث عن حل لهذا النزاع الإقليمي.
وقبل ذلك في 2019، صادق مجلس الشيوخ البرازيلي بأغلبية ساحقة، على ملتمس يدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي؛ كان قد أحاله رئيس مجلس الشيوخ دافي ألكولومبري عليه، حيث حظي بمصادقة 62 من مجموع 81 عضوا في شتنبر.
كما أن العلاقات ظلت متطورة بين البلدين، بالمقارنة مع باقي دول أمريكا اللاتينية؛ كيفما كان لون الحكومة التي تقود البرازيل، سواء كانت يمينية أو يسارية.
كون أن البرازيل الشريك التجاري الرابع للمغرب، بحجم مبادلات بلغت 3 مليار دولار خلال 2022؛ فضلا عن استثمارات اقتصادية للمغرب بالبرازيل، أبرزها إنشاء فرع للمكتب الشريف للفوسفاط سنة 2009، لتأمين السيادة الغذائية للبرازيل.
بالإضافة إلى افتتاح غرفة التجارة المغربية الإفريقية البرازيلية بمدينة الداخلة؛ وهو تكريس للاعتراف بمغربية الصحراء، من خلال الممارسة على أرض الواقع.
وقد أثار إعادة انتخاب اليساري دا سيلفا في 30 أكتوبر 2022 لرئاسة البرازيل، خلفا لليميني "جايير بولسونارو"؛ الكثير من الجدل، وسط مخاوف من الاعتراف بجبهة البوليساريو الانفصالية.
خصوصا أن اليسار في أمريكا اللاتينية، يقدم الدعم والمساندة للطرح الوهمي؛ ما يعني وصوله لسدة الحكم بمثابة انضمام البرازيل إلى قائمة الدول، التي يحكمها اليسار.
والتي يدعم جزء منها جبهة "البوليساريو" الانفصالية، كما حدث خلال الاعتراف الكولومبي بالكيان الوهمي، بعد وصول اليسار إلى الحكم.
وبعد تراجع تأثير جبهة البوليساريو في أمريكا اللاتينية خلال السنوات الماضية، مكنتها عودة اليسار إلى الحكم في عدد من دول المنطقة، من العودة إلى الواجهة، وكسب اعتراف بعض الدول.
غير أن البرازيل لم يسبق أن اعترفت بـ"جمهورية" البوليساريو، لكن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، يعتبر من بين الأحزاب الداعمة للجبهة الانفصالية في أمريكا اللاتينية.
وفي عهد الرئيس ديلما روسيف الذي ينتمي إليه حزب الرئيس الحالي، الذي حكم بين 2011 و2016، خلفا لـ"لولا دا سيلفا" الذي حكم بين 2003 و2011؛ صادق البرلمان البرازيلي في غشت 2014 على قرار لدعم البوليساريو.
حيث أن أعضاء البرلمان، شبهوا قضية الصحراء بالقضية الفلسطينية، في نص القرار الموجه إلى الرئيس؛ لاتخاذ قرار للتطبيع مع الكيان الوهمي، بنفس الشروط التي تمت مع دولة فلسطين؛ غير أن الرئاسة تجاهلت قرار الاعتراف بالبوليساريو.
لكن المؤتمر الخامس والسادس لحزبهما في 2015 و2017 على التوالي؛ صوت على الوثيقة السياسية؛ بحضور "داسيلفا" و"ديلما"؛ حيث تضمنت في السياسة الخارجية دعم نضال الشعب الصحراوي الوهمي، كما رتب وفد حزبي، زيارة لمخيمات تندوف في 2017، حيث التقى بزعيم عصابة البوليزاريو إبراهيم غالي.
وبعد تراجع النفوذ اليساري في البرلمان بعد 2019، وتولي جايير ميسياس بولسونارو رئاسة البرازيل، الذي ينتمي للحزب الليبرالي الاجتماعي اليميني المحافظ؛ انتقل البرلمان البرازيلي من دعم البوليساريو، إلى دعم مقترح الحكم الذاتي وسيادة المغرب على صحرائه، حسب ما تم ذكره اَنفا.
الأمر الذي أثار الكثير من المخاوف بعد عودة اليساري "داسيلفا" للحكم، في ظل اعتماد حزبه لوثيقة سياسية، تتضمن الدعم لجمهورية الوهم، وتشبيه القضية الفلسطينية بقضية الصحراء.
غير أن الصدمة التي هزت الرأي العام الدولي، وخلفت الدعر في قصر المرادية و’’الجمهورية الوهمية’’ ؛ تفجرت بعد منشور كاتب الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، عبر حسابه الرسمي في منصة "X" والصورة اليتي تضمنت الخريطة.
الصدمة الحقيقية، هي أن زيارة بلينكين لـ"داسيلفا"؛ لها ارتباط بقضية فلسطين، من أجل خفض حدة التوتر بين إسرائيل والبرازيل، جراء تصعيدها ضد إسرائيل؛ على خلفية جرائمها في قطاع غزة.
فالرسالة التي يمكن استنتاجها في من خلال تلك اللوحة؛ أن "داسيلفا" يحافظ على علاقات قوية مع المغرب منذ 2004، باعتباره صديقا للمغرب.
بينما الرسالة الثانية هي استقرار الدعم البرازيلي لأطروحة الحكم الذاتي للصحراء المغربية، تحت السيادة المغربية، بالرغم من توالي رؤساء من مختلف الألوان السياسية؛ مما يظهر أنه قرار دولة يراعي المصالح الاستراتيجية للبرازيل، وليس مرتبط بتوجه سياسي حزبي.
أما الرسالة الثالثة التي لا تقل أهمية، هي كون البرازيل تفصل بين قضية الصحراء والقضية الفلسطينية؛ خصوص وأن المنشور يتعلق بقضية فلسطين ويهم توتر العلاقة مع إسرائيل، وإدانة الاحتلال الإسرائيلي.
ما يؤكد التزام لولا دا سيلفا بموقف حكيم تجاه المغرب، في إطار السياسة الواقعية التي نهجها الرئيس البرازيل؛ حسب ما كشف عنه منذ زيارة الملك محمد السادس لبلاده سنة 2004.
كما يطمحان المغرب والبرازيل، لتعزيز هويتهما الاستراتيجية الخاصة في جنوب المحيط الأطلسي، بشكل متزامن، قضايا الأمن والربط البحري واقتصاد المحيطات والصيد المستدام؛ بانسجام تام مع مبادرة الأطلسي الملكية .