تعرف الديمقراطية في المعاجم العلمية بأنها تجسيد لمفهوم الديمقوقراطوس أحد المصطلحات القديمة التي أسست لميلاد منعطف جديد من التدبير المرتبط بقضايا الانسان ومن ثمة احتياجاته والانتقال به من الحكم التيوقراطي الذي جسد لفترات تاريخية سلطة الفرد الواحد في تدبير شؤون الجماعة الى الحكم الديمقراطي الذي انتقل بانظمة الحكم المقارنة الى التفاعل مع الرعية بمنطق براغماتي عنوانه التعبير عن ارادته عبر قنوات ديمقراطية تنبني على الاختيار الواعي والرشيد لممثليىهم عبر بوابة المؤسسات الدستورية ومن ثمة تدبير قضايا الشأن العام .
تعبر الديمقراطية التمثيلية عن أساس حقيقي للاختيار الشعبي ومن ثمة مشاركته في تدبير شؤونه مشاركة حقيقية تقوم على جملة من الألوية التي تجد في الديمقراطية أساسا لها والتي نجد من أمهما الانتخابات التشريعية والترابية انطلاقا من كونها أحد مقمومات المشهد السياسي التي تعنى بتنميتها جملة من الأنظمة الديمقراطية المقارنة والتي أخذت على عاتقها وخاصة بعد سنة 1945 أن تدشن لمرحلة جديدة في تنمية العلاقة بين الدولة كجهاز والشعب عبر بوابة تدبير مؤسساتي يقوم بالأساس على التعريف بالحق والواجب ومن ثمة دسترتهما .
تلتقي الدول المشكلة للخريطة الجغرافية الدولية عند نقطة عنوانها تنظيم العلاقة بينها وبين الرعية من جهة والحرص على الاستجابة الانية والمستمرة والمتساوية لاحتياجاتها ، متطلبات لابد لها من أرضية دستورية تحدد وكما سبقت الاشارة الى ذلك حدود العلاقة بين المواطن والدولة من جهة ومن ثمة مسؤولية كل منهما تجاه الاخر من جهة أخرى ، وهو ما يمكننا تفسيره مر خلال التطرق للحق والواجب بين كل من الدولة والمسؤولية المواطن باعتبارهما أسين للبناء الديمقراطي.
تتجلى معالم مسؤولية المواطن في التفاعل الدائم والمستمر تجاه قضايا الشأن العام سواء من خلال مشاركته السياسية والتي تعتبر حقا وواجبا ماديا يجب العمل على تكريسه على أرض الواقع عبر بوابة صناديق الاقتراع وقبلها اقتحام دائرة العمل السياسي من خلال الانخراط في الاحزاب السياسية ، ما مفاده أن هذه التمتلاث متشابكة فيما بينها وذلك انطلاقا من ان الاحزاب السياسية ذات هدف تأطيري بامتياز وهي تعتبر بذلك بوابة رئيسية للعمل السياسي ناهيك على أن المواطنة الحية لا يمكن أن تكتمل بالحق فقط بل أيضا بممارسة الواجب واللذين يعتبران ميزانا حقيقيا لتقييم روح المواطنة الحقة .
وعلاوة على ذلك ، يمكننا الاشارة الى بعض النماذج الدولية المقارنة التي تقرن عدم ممارسة الواجب الوطني بغرامات مالية بل في بعض الاحيان الحرمان من الحصول على بعض الحقوق التي تربطها بالزامية ممارسة الواجب .
لذلك ، فانه من الجلي بالذكر في هذا الباب أن الممارسة الديمقراطية لا يمكن أن تكتمل من دون تحقيق التوازن بين الحق والواجب الوطني وذلك انطلاقا من أن قطب رحى النظم السياسية الدولية المقارنة ترتبط في البداية والنهاية بالمواطن .
وبالمغرب ، فان احد السمات الاساسية التي تميز تقييم العلاقة بين البناء الديمقراطي والمسؤولية المواطنة المشاركة السياسية ، هذه الاخيرة التي وبالرغم من ارتقاء نسبتها في السنون الاخيرة الا انها تبقى ضعيفة جدا مقارنة مع التركيبة الهرمية السكانية للمغرب والذي يشكل فيه الشباب أعلى نسبة ، ومن هذا المنطلق فإن التوجه الاساسي الذي يجب تنزيله على ارض واقع الممارسة السياسية المغربية وانطلاقا من اعتبارها محركا استراتيجيا للموازنة بين الديمقراطية ومن ثمة بلوغ نجاعة وفعالية التدبير السياسي والمؤسساتي لا يمكن أن بنسلخ البتة عن الرفع من منسوب الوعي المواطن بضرورة المشاركة السياسية والتي يجب ان يتم تنزيلها بكل وعي ومسؤولية من لدن المواطن سواء عبر بوابة الديمقراطية التمثيلية أو الديمقراطية التشاركية والتي يعتبر النموذج الدستوري المغربي من بين الدساتير الدولية المتقدمة فيها .
مقال بقلم الدكتور العباس الوردي استاذ القانون العام بجامعة محمد و المدير العام للمجلة الافريقية للسياسات العامة