لا يماري اثنان كون الحركات الاحتجاجية بالعالم العربي . باتت تعيش على ايقاع تحولات على مستويين البنيوي والوظيفي . ما يجعلنا امام حاجة ملحة لفهم كيف ينتج هذا التحول ؟ و ما هي مساراته ؟و اتجاهاته ؟و ما هي الشروط الاجتماعية و التاريخية التي تحفزه على التحول ؟ للاجابة على هذه الاسئلة يجد الباحث نفسه امام ضرورة القبض على العدة النظرية, و الاستمساك بعروة المناهج العلمية , التي تجعله يسير في درب السؤال و التساؤل و لا لتوهيم نفسه باجابات جاهزة او الاستسلام للبديهيات العفوية ... و تجلت العديد من التحولات في احتجاجات "الربيع العربي" او "الربيع الديمقراطي" الذي كسر المعايير التي كانت شرطا لقياس درجة نجاح اي ثورة , هذا ما صكته بعض القراءات و الفلسفات التي تنبش في كنه الثورة كقياس مدى تطابقها مع الثورات العظمى كالفرنسية والبلشفية ...فهذا الربيع يكاد يختلف مع هذه الثوارات جملة و تفصيلا : 1- غياب قيادة حزبية او طائفية تقود الحراك... 2- الشباب هم من يقودون هذا الحراك ... 3- الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي .. 4- انسحاب المثقف و غياب فاعلية النخبة و دينامياتها ... 5- حضور مبدأ اللحظية ... النتيجة المباشرة هي ان الثورات لم تعد تقاس بمنطق المقارنة مع الثورات العظمى بل اصبحت تقاس بمبدأ الكثافة "الحجم" . و مدى قدرتها على تحقيق مطالبها , فالمطالب هي من تنجب الثورة , و تحقيقها هو الضامن لنجاحها ... اما اذا ما اردنا ان نتوقف عند المقاطعة التي يقوم بها المجتمع المغربي , من اجل ان يعرب عن استيائه من ارتفاع الاسعار و انخفاض القدرة الشرائية للمغاربة . هذه المقاطعة عمت ثلاث منتوجات "حليب سنطرال" و المياه المعدنية خاصة "سيدي علي" و "محطة افريقيا". بطرق جديدة تؤسس لتحول عميق مس بنيات الحركة الاحتجاجية بالمغرب فهذه المقاطعة جعلت من الفيسبوك و يوتوب و الواتساب و وسائل اخرى... اداة لتعبير عن احتقان اجتماعي عانى و يعاني منه المجتمع المغربي هذه المقاطعة او ما يسميه مجموعة من الباحثين بالاحتجاج الناعم فما هي ابرز معالمه ؟؟؟ 1- تؤكد هذه المقاطعة على هروب الشعب المغربي من الفضاء العمومي . و الارتماء في احضان فضاء اخر الا و هو الافتراضي . فهذا الهروب له ما يبرره : أولا العولمة و كذا الثورة التكنولوجيا التي باتت تجعل من الفضاء العام مجالا يسلب الهوية و يجعل الافراد يحسون بالغربة . المعطى الثاني هو القمع الذي يُمارس على المسيرات الاحتجاجية ... 2- غياب التأطير و ضرب مبدأ الوساطة فالشعب المغربي لم يتوسل بالاحزاب السياسية ولا جمعيات المجتمع المدني و لا النقابات . يقومون بالمقاطعة بشكل فرداني تأكيدا على تراجع دور الاحزاب و الهيئات السياسية التي لم تعد تقوم بالادوار المنوطة بها كما اكد ذلك ملك البلاد ... 3- سؤال السلطة كانت حركة 20 فبراير من بين الاليات التي كسرت السلطوية بالمغرب هذا ما يجعل سؤال السلطة يبزغ بين الفينة و الاخرى ... 4- ارباك الخطاب الرسمي للحكومة التي لم تجد سوى عبارات حاملة لدلالات السب و الشتم ك "المداويخ" "اعداء الوطن " هذا الامر الذي جعل الخطاب الرسمي يوضع على محك النقد و السؤال في الاخير لا يمكن ان نعتبر المقاطعة سلوك له اهداف محدودة او سلوك مدفوع من طرف جهة ما . بل هو انعطافة مفصلية في تاريخ تطور الفعل الاحتجاجي بالمغرب. باعتباره صرخة مجتمع يعاني من الاحتقان و الاقصاء فهذه التحولات التي تمس بنية الحركة الاحتجاجية بالمغرب تحتاج الى تكثيف الجهود العلمية لاماطة اللثام عليها و مسح اللبس عنها من اجل فهمها و الاحاطة بتلاببها و تفسير و تأويل مدلولاتها و خلق براديغمات رشيدة و صك مفاهيم علمية من اجل النبش في كنه هذه التحولات التي اطالت المتن الاحتجاجي بالمغرب و كذا اضفاء المعاني الثاوية خلف هذه السلوكات الاحتجاجية ... " محمد المبروكي"