أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما الحقوق الشغلية، تشهد تدهورا مطردا، زادت من حدته الانعكاسات الوخيمة لاستمرار جائحة “كوفيد-19″، خاصة أن السلطات والمشغلين، لا يتورعون عن استغلال الجائحة لممارسة المزيد من الاجهاز على العديد من الحقوق والحريات الأساسية.
واستنكرت أكبر جمعية حقوقية بالمغرب مجموعة من الانتهاكات والخروقات، التي ما انفك يتعرض لها العمال والعاملات، والأجراء والأجيرات، بمختلف القطاعات، العمومية منها أو الإنتاجية أو الخدماتية.
تجاهل وقمع
وفي هذا السياق، سجلت الجمعية تمادي الدولة في تجاهلها المقصود لمسؤوليتها فيما آل إليه ملف شركة “لاسامير” المغربية لتصفية البترول، وتلكؤها في الأخذ بالمقترحات المطروحة من قبل الجبهة الوطنية لإنقاذ الشركة، والنقابة الوطنية لصناعة البترول والغاز، خدمة للوبيات المحروقات التي ألهبت جيوب المواطنات والمواطنين.
وأشار البيان إلى حضور القمع ومنع المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي تنظمها، بالموازاة مع الإضرابات الوطنية عن العمل، “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، للمطالبة بالتراجع عن العمل بالعقدة.
وقد تكرر هذا المنع في حق الأساتذة خلال شهري نونبر ودجنبر، بعدد من المدن، وهو الشأن نفسه بالنسبة لمهنيي الصحة الذين جرى تعنيفهم، أمام الوزارة الوصية، بشكل مشين يوم 14 نونبر الماضي، فضلا عن سياسة صم الآذان في التعاطي مع مطالب شغيلة التعاون الوطني.
إضرابات واعتصامات
وتوقفت الجمعية على عدد من الاإضرابات والاعتصامات والأشكال الاحتجاجية التي يخوضها عدد من العمال، ومنها استمرار النضالات التي يخوضها عمال ومستخدمو شركة “أمانور” بطنجة وتطوان والرباط، منذ 21 يناير من السنة الماضية، والتي توجت بالإضراب والاعتصام المفتوحين، للمطالبة بعودة المطرودين من مسؤولين نقابيين وعمال، ووقف معاناتهم وعائلاتهم والكف عن المس بمكتسباتهم.
واعتبرت الجمعية أن السلطات تسعى إلى تكسير معركتهم عبر تدخلاتها المتكررة لفض الاعتصام بالقوة، كان آخرها اقتحام معتصمهم بمدينة طنجة، من قبل القوات العمومية، صبيحة يوم الخميس 17 دجنبر الماضي.
كما ذكّر حقوقيو الجمعية بالاعتصام الأسطوري لعمال مطاحن الساحل الذي دام لسنوات، قضى خلالها الكثير منهم نحبه، دون أن يتم انصافهم، فضلا عن دخول النقابة الوطنية لعمال الصيانة والنظافة بالشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، في إضراب واعتصام مفتوح نهاية شهر غشت الماضي، احتجاجا على ضرب العمل النقابي والطرد التعسفي، ومنع السلطات للوقفة الاحتجاجية، المنظمة أمام الإدارة العامة للشركة الوطنية للطرق السيارة بالرباط يوم 7دجنبر.
وبدورهم، يخوض عمال وعاملات مجموعة “صوبروفيل” اعتصاما أمام محطة تلفيف التمور ببيوكرى، اشتوكة أيت باها، منذ 11 نونبر الماضي، والمبيت الليلي أمام مندوبية التشغيل بالمدينة ليلة 23 دجنبر الجاري، للمطالبة بالحقوق المهضومة لأزيد من سنة ونصف، وهي نفس الوضعية التي يعاني منها عمال وعاملات شركة “روزا فلور” بنفس المنطقة، نتيجة توقف نشاط الشركة خلال نهاية شهر أبريل 2019.
ولفتت الجمعية إلى إضرابات واعتصامات أخرى طبعت السنة المنصرمة، وعلى رأسها إضراب واعتصام عمال منجم “جبل عوام” داخل المنجم، على عمق 700 متر تحت الأرض.
تشريد ومعاناة
وإضافة إلى ما سبق، أكدت الجمعية الحقوقية أن إغلاق العديد من الشركات والمقاولات، أسفر عن تشريد العاملات والعمال، ورغم ما رافق ذلك وصاحبه من احتجاجات ونضالات للمطالبة بالتسوية العادلة والقانونية لأوضاعهم، إلا أن ملفاتهم المعروضة أمام الحاكم تعرف نوعا من التماطل، بحجة حالة الطوارئ الصحية وظروف الجائحة.
ويعيش العمال والعاملات بمجموعة من الوحدات الإنتاجية أو المؤسسات الخدماتية، معاناة من الهشاشة وعدم الاستقرار في العمل، والحرمان من التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومنهم من لم يتوصلوا بأجورهم في الأوقات المحددة، مما جعلهم يلتجؤون لخوض إضرابات دفاعا عن حقوقهم.
ويصاحب هذه المعاناة، التضييق على الحريات النقابية وعدم احترام عدد من الاتفاقات، ودفاتر التحملات من قبل بعض الشركات التي تضرب عرض الحائط كل القوانين، وخاصة الحق في الأجر، واحترام ساعات العمل، والتغطية الصحية والرعاية الاجتماعية.
ويعمق من هذه المعاناة، يضيف البيان، تواتر حالات حوادث الشغل المميتة جراء غياب شروط السلامة وعدم التقيد بها في الكثير من الشركات والمقاولات، خصوصا في قطاعي البناء والمناجم ومواقع الشحن والتفريغ بالموانئ، كما حصل يوم 24 شتنبر بمنجم اميضر، وبميناء أكادير التجاري يوم 13 أكتوبر.
كما أن الحوادث المميتة في القطاع الزراعي لا تكاد تنقطع طيلة السنة، بسبب استعمال أرباب العمل لوسائل نقل لا تليق مطلقا بنقل البشر.
دعوات للتدخل
وأمام هذه الأوضاع التي تعرفها الحقوق الشغلية، استنكرت الجمعية تجاهل السلطات لهذه الانتهاكات، بل وتواطؤها في معظم الأحيان مع الجهات المسؤولة عنها، علما بأن واجب الحماية، كالتزام متفرع عن تصديق الدولة المغربية على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يوجب عليها التدخل لدى الغير لفرض احترامه للحقوق والحريات المتضمنة في العهد وغيره من الاتفاقيات والقوانين.
ودعت الجمعية إلى تدخل الدولة من أجل حمل المشغلين على الاستجابة لمطالبهم العادلة والمشروعة، استنادا إلى ما يقتضيه القانون، وفي احترام تام للحقوق والحريات النقابية.
وأكدت رفضها للتوظيف بالعقدة، أو بواسطة المناولة في القطاع العمومي، داعية إلى مباشرة الحوار الاجتماعي قطاعيا ووطنيا لمعالجة مختلف الملفات المطروحة، مع فتح وزارة التشغيل التحقيق في حوادث الشغل المميتة.